به أصل وقد صنف الناس في هذا كتبًا، وتكلف قوم من الأطباء الرد عليهم والنقض لقولهم، فكيف يقال: أن علم الطب متفق عليه، وعلى أنه لا اختلاف بيننا وبين مؤمني الأطباء، إن علم التوحيد أجل وأفضل وأشرف من علم الطب، وإن الخلاف معهم في علم الأحكام.
ومعلوم أن التوحيد مختلف فيه، وإن كان بطلان قول المخالف فيه ظاهر لإخفائه، ثم لم يوجب الاختلاف فيه حط علمه عن مرتبة علم الطب، الذي لا خلاف فيه، فكذلك علم الأحكام فانتقض بهذا كلامه.
والجواب: عن استدلاله بما يشتق لله تعالى من اسم الطب فيدعي طبيبًا فهو إن هذا ليس بمسلم، وليس الطبيب بموجود في أسماء الله تعالى، ولا يجوز أن يقال لله تعالى عند الدعاء يا طبيب. وإنما روى أنه كانت تظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم سلفه، فقالوا له: لا تدعو لك طبيبًا؟ فقال:(طبيبها الذي خلقها) أي إن الذي ترجونه من الطبيب، فإني أرجوه من الله عز وجل. وهذا لا يوجب أن يكون قد سمى الله طبيبًا، كما أنه قال:(لا تسبوا الدهر) فلم يوجب ذلك تسمية الله تعالى دهرًا.
وأيضًا فإن الله تعالى سمي صانعًا، ولا يدل ذلك إن علم الصناعات أشرف من علم الأحكام. فلذلك إن جاز أن يقال لله تعالى من بعض الوجوه طبيب فذلك لا يوجب أن يكون الطب أشرف من علم الأحكام.
ويقال: إن علم الفقه علم الأحكام. ولئن كان لا يجوز أن يدعي الله فقيهًا، فإنه يجوز بل يجب أن يسمى حاكمًا وقاضيًا. فقل: إن علم القضاء والحكم أشرف مما عداه، وبالله التوفيق.