للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهؤلاء الفلاسفة الذين سموا أنفسهم حكماء، وأصحاب المجسطي والاقليدسيون. والأولون في القرآن بالليل والنهار، فيتبعون السنن والآثار. فلينظر العاقل بعقله في بعد ما بين الفريقين، ولنستعذ بالله من أسوأ المثلين وما فيه العصمة.

وأما علم الألحان وتأليفها. فإن الأوائل المحتجين إلى الحكمة سموه العلم الأوسط، وعدوه ثاني علم التوحيد. وجعلوا الثالث على الأبدان والطب، وقد أبطلت الشريعة حكم العلم واسمه، وشرفه على تأليف الألحان والحقته باللهو، وحكمت عليه بحكم الباطل واللغو وهو الذي يقول: إن جهله خير من علمه. لأن الذي يعلمه من زمان صنيعه، إما بتعليم غيره، وإما باستعمال ما يعلم منه، وكل ذلك تضييع للعمر واستفاء دله بالباطل وإنما أذن للناس في تحسين الصوت بالقرآن من غير معنى فيه، ورخص في الحداء ونشيد الإعراب. فأما ما جاوز ذلك مما لا يراد به إلا للتطرب، ولا يستعمل إلا في غزل، وإذا أريدت المبالغة فيه، استعين عليه بتحريك الأوتار ونحوها، فإنه لهو باطل، وإن ما عمل كان بنفسه لهوًا وباطلاً لم يكن العلم به شرفًا والله أعلم.

وأما علم الصناعات: فإنه لمصالح المعاش الذي فيه يتمكن من العبادة، فهو تابع لعلم الدين، كما أن علم الأبدان تابع له. فثبت بجميع ما وصفنا أن العلم المطلق المستحق للشريف والتفضيل علم الدين وبالله التوفيق.

وسمعت أحد علماء الطب يدعي أن أشرف العلوم بعد علم التوحيد علم الطب، ويحتج بحجتين، أحداهما أنه علم متفق عليه، ليس في العقلاء أحد يبيحه، والثاني. أنه يشتق لله تعالى منه اسم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (طبيبها الذي خلقها) ولا يشتق له في الفقه واللغة والنحو والتنجيم قط. فصح إن الطب أفضل العلوم.

والجواب: إن ما ادعاه من أن علم الطب متفق عليه، فليس كذلك، وقد ذهب كثير من الناس إلى أن علم الطب لا يجري فيه القياس، وإنما هي تجارب. والتجارب قد تختلف، فربما يقع وربما قيل: واستدلوا بأنه من نوع من العلاج أشار به الأطباء في مرض إلا وقد عوفي به قوم، وهلك معه قوم. فصح أن علم ليس يجري فيه القياس ويدرك

<<  <  ج: ص:  >  >>