للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما المجسطي وما ذكرنا فيه فإنه على الاستئناس وكتاب الفراغ يقرأه الكسالي والمترفون والمحجوبون عن الله تعالى بسوء النيات، ودخول الظنونات الذين لا يؤهلهم الله تعالى لقراءة كتبه وإتباع سنن نبيه، ويصرف قلوبهم عن علم سعته، كما قال عز وجل:} وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد، ثم انصرفوا، صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون). وما منزلة هؤلاء القوم وما القوة من فصول الهندسة وهيأة العالمين، وذكر إجرام الكواكب وأبعادها وطبائعها بزعمهم، من قراء القرآن، وطلاب الآثار والمجتهدون في علم القضايا والأحكام، إلا منزلة عبيد بين مالكهم، لهم دار، أو أسكنهم إياها، وقدر لهم فيها كفاياتهم، وكتب لهم بجوامع أمره ونهيه ووعده ووعيده كتابًا. ونصب عليهم فيما يذكرهم متى نسوا، ويقومهم متى زاغوا، فامتثل بعضهم أمره وعظموا كتابه، وأطاعوا يمينه، وحكموه على أنفسهم، وصارت هذه الطائفة تشد بعضها بعضًا، ويقوم عالمهم على جاهلهم وكبيرهم على صغيرهم، ولا يغنهم الأرض مالكهم أن يسلم لهم وطاعته أن يكون منهم، ورفض الآخرون هذا كله، وأقبلوا على الدار التي أسكنوها بناء صلوبها، وينظرون كم عرضها وطولها، وما فيها من البيوت، وقدر كل بيت منها، وبعد ما بين البيت والبيت، وأنها أسخن، وأنها أروح وأنها، أقدر وأنها أيبس ويعطلون الأوقات التي تأتيهم فيها المواد. والألفاظ من عند مالكهم. وينزعون ما يأتي منها ويصفون أحوالها وطبائعها، ويتكلمون على الزمان الذي يأتيهم فيه الحر والزمان الذي فيه البرد، ويقدرون كلاً من ذلك بمقدار، ويخوضون في هذه المعاني خوضًا يشغلهم عن عهد مالكهم، وينسيهم أمرًا لضم المنصوب عليهم، ثم اختلفوا على ذلك. فقال الأول: هذا دار مولانا أسسها وأحكمها ورتب فيها دياناتنا، وأزواج بها علينا. وسيدعونا يومًا فنجيب، ويحاسبنا بأعمالنا ويجزينا بالخير خيرًا وبالشر شرًا. وقال الآخرون: إنكم مغرورون، سفهاء لا تعقلون، ما لنا مولى ولا يؤمنا أحد ولقد كانت هذه الدار قبلنا لأمثالنا، وما نرجو من أحد حسنًا ثوابًا، ولا نخاف إنسانًا عقابًا. وقال بعضهم: بلى إنا لنا مولى، ولكنه وجد إلات الدار وما فيها حاضرة، فركبها ونظم بعضها بعضًا، لم يكن يقدر على أحسن منه، ولا على صنع دار أكبر من ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>