بيان هيئة السماء والأفلاك، ومن عقل فنظر وتأمل علم أنه لا كتاب، وخصوصًا في قدر القرآن اجمع الفوائد من القرآن لأنه ذاك على الباري سبحانه وتعالى، وتعليم أسمائه التي إن يدعي بها، والإنابة عن صفاته، والحث على الاستدلال والنظر والإرشاد إلى وجوه المحاجات والمجادلات، والأذكار بآلائه ونعمه، والتحريض على شكرها، والبيان لفائدة الشكر، ومضرة الكفران، والدلالة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، والأخبار على من تقدمه من الأنبياء عليهم السلام، وتعديد أيامهم، واقتصاص من كان من قومهم ومعاملة الله إياهم ومؤاخذته للعامدين منهم بضروب من نقمة، لتعتبر بهم هذه الأمة، والإشارة إلى إعجاز القرآن، ولزوم الحجة به، وفرض للعبادة على الناس جملة، ثم نقصها وتضييعها، وتعريف شروطها وحدودها، وتحليل ما اقتضت سعة رحمة الله تحليله، وتحريم ما أوجب بالغ حكمه تحريمه، ونصب الحدود وتقديرها، ووضع الشرائع بين الناس في المعاملات والجنايات، والإيمان والنذور والكفارات، والإبانة عما يفعل به بين المتنازعين وإخبارهم بما لم يكونوا يدركونه بعقولهم من أنهم مبعوثون من بعد الموت، ومحاسبون ومجزيون بأعمالهم، والمسيء منهم يعاد إلى النار، والمحسن منهم يعاد إلى الجنة، ووصف كل من الجنة والنار مما في الجنة من أصناف النعيم، ومما في النار من العذاب الأليم، وضرب الأمثال للناس، ووعظهم. وأخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن أبناء الغيب ما لم يكن ولا قومه من مثل يعلمون ليزدادوا بصيرة في دين الله، وبعد فإن الكتاب الذي جاءهم به ليس إلا من عند الله، وإخباره وكوائن تكوين في المستقبل حتى إذا كانت ازداد إيمانهم وكتابهم، وتيقنوا إنه منزل من ربهم ويكون أكثر ما ذكرنا في غير موضع زيادة في البيان، وإبلاغًا في التبصير، ولا الفوائد بالحقيقة إلا ما وصفنا، ولا الفوائد إلا ما عددنا.
وقد كان الناس غافلين عنها قبل نزول القرآن، أما العرب الذين هم أولاد إسماعيل صلوات الله عليه، فقد كانوا أضلوا شريعته، وأما ولد قحطان فقد كانوا من الشرائط أهل الإلحاد فجاء القرآن هدى من الله تعالى ورحمة وشفاء لما في الصدور. فكيف يجوز الملحد الذي حكينا قوله: أن يقول إن القرآن لم ينته على أمر معقول عنه، وهو بالحقيقة إنما نزل للتنبيه عن الغفلات العظيمة التي ذكرتها. ووجدنا هذا الملحد مع قرع القرآن سمعه في أشد الغفلة عن معرفة الله تعالى. فما الظن لو لم يسمعه وأمثاله الذين سمعوا نزوله؟