لم يفهم السامعون من هذه الآيات إلا العلماء بالدين. فبان إن العلم المطلق علم الدين، إذ كان هو الذي يبتدر إلى إفهام السامعين إذا سمعوا العلم والعلماء، وكان الله عز وجل سماه العلم إطلاقًا غير مصنف إياه إلى العلوم الذي أراده له بذلك على إن إطلاق الاسم له وغيره هو الذي يحتاج في الإنابة عنه إلى تقييد العلم وإضافته والله أعلم.
وأيضًا فإن فضل العلم بحسب فائدته وقدر عائدته، إذ كان العلم إنما يراد لما يوصل به إليه، ولا شيء أعود على العاقل من معرفة الله تعالى بصفاته ومعرفة ما يرضيه عنه ليأتيه. وأما سخطه عليه لتحبيبه، فثبت أن أشرف المعلومات الدين، وأفضل العلوم وأهمها علم الدين، ثم إن كل ما سوى الدين، فإن علمه إنما يحتاج إليه الدين، وما لا يحتاج إلى علمه الدين بوجه وعلى معنى فإن علمه كجهله، أو جهله خير من علمه. فالطب خير محتاج لإقامة الأبدان وحفظ صحتها. ودفع الأسقام عنها. فإن فرائض الله تعالى المفروضة على الأبدان، لا سبيل إلى إقامتها إلا بسلامة الأبدان واستقلالها بما يزاد دواؤه منها، فيلحق من الوجوه بما ينبغي إليه، ولا يطلق الحكم بصنعه، إلا أنه على ذلك تابع لعلم الدين إذا لم يكن مقصودًا لنفسه.
لكن المتمكن به من استعمال الأبدان بشرائع الأديان وعلم الحساب يحتاج إليه في بعض مسائل الأحكام، فيلحق ذلك منه بعلم الدين.
وأما ما وراء ذلك فليس بمحتاج إليه الدين، وإنما هو فضل يستغل به من فضل زمانه عن الفرائض والواجبات. فإن كان لا أحد يجد فضلاً من الزمان لا يحتاج ما لا أحد ينبغي له أن يصرف همه إلى قراءة المجسطي، وكتاب اقليدس وما يجري مجراهما لأن وقوف همه العالمين لا ترشد على شيء معقول عنه من أمر الدين. ولا يقدر عن معجوز عنه من جملته والاستدلال بما يظهر من أحوالها على الصانع جل جلاله من غير العلم، فخفاياها ودقائقها ممكن. وأكثر ما يقوله المدعون علمها فيما لا تقع الثقة به. وقد يمكن أن يكون كما يقولون، ويمكن أن يكون بخلافه فلا فائدة فيه.
ومن العجب أن بعض الملحدين هاجم بين ظهراني المسلمين بثلب وتفضيل المجسطي عليه، وزعم أنه ليس في القرآن تنبيه على أمر معقول عنه، ولا أفاده شيء كما في المجسطي