(ألا فليبلغ الشاهد الغائب). وأنه صلى الله عليه وسلم قال:(من سئل عن علم فكتمه، جاء يوم القيامة ملجمًا بلجام من نار). وأنه صلى الله عليه وسلم قال:(مثل الذي يتعلم العلم ولا يتحدث به كمثل رجل أعطاه الله مالاً فلا ينفق منه).
ويدل على ما قلنا أن طلب العلم إذا كان فرضًا على الكفاية دل ذلك على أن الطالب طالب لنفسه ولغيره. فأي علم حصل له فهو بمنزلة عنده، فإذا سئلها كان عليه أن يرد بها لقول الله عز وجل:} إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها {.
وأيضًا فإن الله عز وجل ألزم من ائتمنه مثله على ماله أن يؤدي إليه الأمانة. فقال تعالى:} فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤد الذي اؤتمن أمانته {. فدل ذلك على أن من ائتمنه عالم على علم عنده، بأن ألقاه إليه لزمه أن يؤدي الأمانة فيه. ومن أدى الأمانة فيه إذا طلب منه أن لا يكتمه.
وأيضًا فإن في منع العلم هجر الدين، والتعفية على آثاره، وحمل الناس على ارتكاب العظائم وانتهاك المحارم. فدل ذلك على أنه حرام ممنوع والإثم فيه كبير، وبالله التوفيق.
فصل
وإذا كان في البلد علماء فأي واحد منهم جاءه سائل فسأله عن علم عنده، ليتعلمه فينبغي له أن يخبره به، ولا يكتمه. ولا يجوز له أن يقول: سل غيري، فإن عنده من العلم مثل ما عندي، فإن طلب العلم وإن كان في نفسه فرضًا على الكفاية، فإن الذين حملوا العلم يلزم كل واحد في عينه، إذا ما عنده منه، إذا سئل عنه، كما إن الناس إذا دعوا إلى حمل الشهادة كانت الإجابة لازمة بقدر الكفاية. وإن حضروا جميعًا أو بعضهم فيحملوها ثم سئلوا إقامتها لزم مستشهد في عينه أن يؤديها، والله أعلم.