ومنها أن لا يقرأ في الأسواق والمجالس لستأكل الأموال بالقرآن.
ومنها أن لا يقرأ في الحمام، ولا في المواضع القذرة، ولا في حال قضاء الحاجتين.
ومنها أن يتعمق في القراءة، فيقومه بقوم القدح، ويتحرى أن لا يفاوت مدة مدة ولا همزة همزة، ولا أن يخرج الحرف إلا من جميع مخرجه، فتكون الألفاظ عند ذلك بلسانه كما يلاك الطعام. ومنها أن الجماعة إذا اجتمعوا في مسجد وغيره يقرأون القرآن، لم يجهر به بعضهم على بعض جهرًا يكون فيه متخالجين متنازعين، وهذا في غير الصلاة والخطبة، وأما فيهما فالإمام يقرأ وينصت القوم لما يجهر به منه، وإن قرأوا خلفه يجهروا ولم يزيدوا على أن يسمعوا أنفسهم، ولا يقرأ أحد في حلل الخطبة إن كان شيئًا، وإن قرأ أحد لجماعة لا في صلاة جهرًا نصت له الباقون إلا أن يكون فيهم مصل ولا ينصت.
ومنها أن لا يحمل على المصحف كتابًا آخر، ولا ثوب ولا شيء خطير ولا حقير، إلا أن يكون مصحفان، فيوضع أحدهما فوق الآخر بمتجوز. ومنها أن يفخم المصحف فيكتب مفرجًا بأحسن خط يقدر عليه، ولا يصغر مقداره ولا يقرط حروفه.
ومنها أن لا تخلط من المصحف ما ليس من القرآن بالقرآن كعدد الآيات والسجدات والعشرات، والوقوف واختلاف القرآن ومعاني الآيات. ومنها أن ينور البيت الذي يقرأ فيه القرآن بتعليق القناديل ونصب الشموع فيه، ويزاد في شهر رمضان في أنوار المساجد وتحليقها، ومنها تعظيم أهل القرآن وتوقيرهم كتعظيم العلماء بالأحكام أو أكثر وبالله التوفيق.
فذلك خمسون فصلاً حضر لي ذكرها فأثبتها، ولم أنكر أن يكون في الباب عشرة. فأما تعلم القرآن فأول وجوه تعظيمه، لأن ترك التعليم إغفال له وتصنيع، والتعليم ولوع به وحرص به، وعرفان بقدره. وجاء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(خيركم من تعلم القرآن وعلمه). وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن هذا القرآن مأدبه. فتعلموا من مأدبته ما استطعتم، وإن هذا القرآن حبل الله المتين والشفاء النافع، عصمة من تمسك به، نجاة من تبعه، لا يعوج فيقوم، ولا يرفع ويستعيب، لا تغني عجائبه، ولا يخلق عن كثير الرد، فإن لأحدكم على تلاوة كل حرف عشرة حسنات، أما إني لا أقول بألف لام ميم، ولكن بألف عشرًا وبلام عشرًا وبميم عشرًا).