إذا قام بالليل للتهجد اعتكف بالغالية. وقال مجاهد: كانوا يكرهون أكل الثوم والكرات والبصل للقيام من الليل، ويستحبون أن يمس الرجل عند قيامه من الليل طيبًا يمسح به ثيابه، وما أقبل من اللحية. وقال قتادة: ما أكلت الكرات منذ قرأت القرآن.
وقال عون بن عبد الله: كان عبد الله بن مسعود تعجبه الثياب النظيفة، والريح الطيبة إذا قام إلى الليل، وعن مجاهد أنه كان يقرأ أو يصلي، فوجد ريحًا فأمسك عن القراءة حتى ذهبت.
وأما الجهر بالليل والإسرار بالنهار، فإنه روى عن كريب قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة بالليل، فقال: كان يقرأ في حجرته قراءة لو أراد حافظ أن يحفظها لفعل.
وقال أم هانيء: كنت أمسع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل وأنا على عرسي، وأما الإسرار بالنهار، فلأن الصلاة التي تقام بعد طلوع الشمس على إسرار القراءة فيها، ولو كان في الجهر بها في النهار فضل لكانت الصلاة به أولى، لأن السر يكل فيستريح، فيأنس بالجهر. والجاهر يكل فيستريح بالإسرار، إلا من قرأ بالليل جهرًا الأكثر، وأسر الأقل، وإذا قرأ نهارًا أسر الأكثر وجهر بالأقل. روى بعضهم عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة النهار قال: كان يسر بالقراءة، وربما أسمعنا الآية والآيتين أحيانًا. وقال عبد الله بن قيس: سألت عائشة رضي الله عنها: كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ أكان يجهر أو يسر؟ قالت: قد كان يفعل، وربما جهر وربما أسر، فقلت: الحمد لله الذي جعل في الدين سعة.
وعن أبي هريرة أنه كان إذا قرأ رفع طورًا وخفض طورًا. وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. وإذا قرأ بالنهار في بيت أو مسجد أو موضع لا لغو فيه ولا صخب، ولم يكن في صلاته، رفع صوته بالقراءة. وإن قرأ بالليل في مجمع قد رفعت فيه الأصوات، وكان يعلم أنه إن جهر لم ينصت له، فلا ينبغي له أن يقرأ إلا بإسرار والله أعلم.
وأما أنه لا يقطع القراءة لمكالمة الناس فلأنه إذا انتهى في القراءة إلى أنه، وحضره كلام، وقد استقبلت الآية التي بلغها والكلام، فلا ينبغي أن يؤثر كلامه على القرآن، ولأن في إتباعه القرآن بعضه بعضًا من البهجة ما يظهر عند إتباع، ويخفى عند التقطيع،