للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنده، فلا يجوز أن يختلف ذلك عن إعطاء الغني الفقير وإشباع الجائع، وكسوة العريان وكل ذلك مما إذا جعل لوجه الله تعالى كان برًا وقربة، ولذلك تعليم القرآن والسنن والله أعلم.

وإنما استيقن الناس لمعلمين لمعنيين: أحدهما أنهم يقصرون أيامهم على معاشرة الصبيان الذين لا عقول لهم، فإذا فارقوهم خلوا بنسائهم وذراريهم، فيؤثر ذلك على تطاول الأيام في عقولهم وبصيرتها، وينقبض منها. كما أن من عاشر العلماء والحكماء والفضلاء، ولم يكن يخالط غيرهم ازداد بذلك عقله، وقويت بصيرته. ونبل رأيه. وأما أبو عبد الرحمن السلمي وأشباهه فلم يكونوا بهذه الصفة، وإنما كان الواحد يأتيهم فيلقنونه آيات فيأخذها وينصرف فلا يمنعهم ذلك من غشيان مجالس الكبر والاختلاط بهم والاستفادة منهم، ولا يتضررون بالتعليم تضرر من ذكرنا.

والوجه الآخر: أن المعلمين لما أرصدوا أنفسهم لتعليم الصبيان ابتغوا عليه الاجعال، ولما كثوا صار كل واحد منهم يرضى عن العمل الكبير والشغل الطويل بالجعل اليسير، خيفة أنه لم يجب إلى التعليم بما يراود عنه من الجعل الطفيف، إنابة لصاحبة، وصاروا مع ذلك يطمعون في أطعمة الصبيان ليغالبونهم عليها، ويحملهم الشره على ضروب من التذلل، ومن رضي بمثلها لنفسه لم يوقر ولم يبجل، فإنما أوتوا من هذا الوجه، لا من تعليم القرآن. فإن نفس التعليم توجب التفضيل والتشريف وتحرم التحقير والتصغير، ومن استحقر معلمًا لأجل تعليمه خيف عليه، فقد بعث الله تعالى جبريل صلوات الله عليه لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وقال:} علمه شديد القوى {وما تعلم أول من تعلم من الأمة إلا من النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يجوز لأحد أن يترفع عن تعليمه أو يستحقر من يتصدى للتعليم وقد كان الأولون الذين ذكرنا، إنهم كانوا يعلمون للقرآن بمعزل عن هذه الرذائل، كما كانوا بمعزل عما وصفنا قبل من الشمائل، فلذلك استحقوا المدح والثناء، رضي الله عنهم وغفر لهم.

وأما قراءة القرآن بالقراءات المستفيضة دون الغرائب والشواذ، فلأن في الشهور المستفيضة مندوحة عن الشاذ الغريب، فكان تركها أحوط لئلا يتقرب إلى الله عز وجل بقراءة من لا يمكن القطع بأنه من عند الله من غير ضرورة. وليس ذلك كالأخبار الخاصة

<<  <  ج: ص:  >  >>