للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(نزل القرآن بالتفخيم) ومعنى هذا والله أعلم، أن يقرأ القرآن كاملاً قراءة الرجال ولا يخضع الصوت به فيكون مثل كلام النساء. ولا يدخل في هذا كراهية الأماله، التي هي أخبار بعض القراء.

وقد يجوز أن يكون القرآن أنزل بالتفخيم، ورخص مع ذلك في إمالة ما تحسن إمالته. وتكون هذه الرخصة نازلة على لسان جبريل عليه السلام أيضًا. لكن لفظه بالتنزيل كان التفخيم دون الإمالة والله أعلم.

وأما أن القارئ لا يخلط سورة بسورة، فلما روي أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأبي بكر رضي الله عنه وهو يخافت، ومر بعمر رضي الله عنه وهو يجهر، ومر ببلال وهو يقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة، فقال لأبي بكر: (مررت بك وأنت تخافت: فقال: إني اسمع من إناجي. قال: ارفع شيئًا. وقال لعمر: مررت بك وأنت تجهر فقال: اطرد الشيطان وأوقظ الوسنان فقال: اخفض شيئًا. وقال لبلال: مررت بك وأنت تقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة، فقال: اخلط الطيب بالطيب. فقال: (اقرأ السورة على وجهها) وهذا أولى ما روي أنه أنكر عليه، لأن هذا الحديث أتم من ذلك الحديث، فإنه كما لم يذكر في هذا الحديث أنه أنكر على عمر لم يذكر أنه أنكر على أبي بكر وعمر. وقد نطق هذا الحديث بالإنكار عليهما وعلى بلال. والذي فعله بلال قد فعله عمر بعينه فكان ما روى من الصريح بالإنكار والتعبير أولى بالاعتماد من الرواية، التي ليس فيها أكثر من السكت عن عمر. ولعل النظر إذا أنعم وحقق منع لمن يتأت حديث عمر، لأن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم استنكر منه فعلا مقابلة عمر بالحجة فأمسك عنه، وهذا عظيم. ولئن كان شيء من الأخبار يرد لضعف أحد من نقلته، فرد هذا يخطأ منه، وهجينه أولى بالذم والله أعلم.

وأما استبقاء كل حرف أثبته قارئ إمام، فيكون القارئ قد أتى على جميع ما هو قرآن ولم يبق شيئًا، فيكون ختمه أصح من ختمه إذا ترخض، فحذف إلا يضر حذفه من حرف أو كلمة. ألا ترى أن صلاة القاعد، قد تجوز، ولكن من قام واستوفى كل فعل

<<  <  ج: ص:  >  >>