للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما قالت: كان يقطع قراءته، فدخل في ذلك جميع ما كان يقرأه من القرآن، وإنما ذكرت فاتحة الكتاب لتبين صفة التقطيع، أو لأنها أم القرآن، يغني ذكرها عن ذكر ما بعدها، كما تغني قراءتها في الصلاة عن قراءة غيرها، لجواز الصلاة. وإلا فالتقطيع عام بجميع القراءة. هذا ظاهر الحديث وبالله التوفيق.

والدلالة الثانية: أن أصحاب المعاني قالوا: معنى باسم الله، أو ابدأ باسم الله. وإذا كان كذلك، اقتضى هذا القول ما بعده، ولم يكن مبتدأ بنفسه، لأن المبتدأ به، لابد له من شيء يتلوه. فيكون الأول بدءًا لما يثنى عليه. وفي هذا ما أبان أن قول القارئ "بسم الله الرحمن الرحيم" يقتضي ما بعده وهو "الحمد لله رب العالمين". ومع هذا فقد قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة "بسم الله الرحمن الرحيم" لما عدها آية، عن قراءة "الحمد لله رب العالمين". فبان بذلك أنه لا ينتظر بالقطع تمام الكلام من نحو المعاني، وإنما ينتظر به انتهاء الآية، والله أعلم.

والدلالة الثالثة: إن قوله عز وجل "صراط الذين أنعمت عليهم" ليس بكلام مستأنف ولكنه تفسير للصراط المستقيم. وقد ثبت بهذه السنة، أن المستقيم موضع وقف. فثبت بذلك أن الوقف يختص بانتهاء الآية، لا باستتمام العرض.

فإن قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قطع الفاتحة آية آية، لأن لكل آية منها غرض ينتهي بانتهائها، فأخبر أن الله جل ثناؤه يقول: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: "الحمد لله رب العالمين" قال: حمدني عبدي، وإذا قال العبد: "الرحمن الرحيم"، قال الله: أثنى علي عبدي. وإذا قال العبد: "مالك يوم الدين"، قال الله: مجدني عبدي، وإذا قال العبد: "إياك نستعين"، قال الله: هنيئًا لي ولعبدي، وإذا قال: إهدنا الصراط المستقيم إلى آخره، قال الله: هذا لعبدي ما سأل). فكان الوقف على كل آية من الفاتحة لهذا المعنى، لا لأن أواخر الآيات مقاطع حسنة بكل حال.

فالجواب: إن الوقف على إعجاز هذه الآيات لو كان، لأن لكل آية من غرض ينتهي بانتهاء لوقف النبي صلى الله عليه وسلم على قوله عز وجل: "إياك نعبد" لأن النصف الذي لله تبارك

<<  <  ج: ص:  >  >>