للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الشعر، والوقف على فواصل الآيات، كما لو وقف على قوافي الأشعار شبيه القرآن بالشعر.

والجواب: إن هذا وإن خالف ما روته أم سلمة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هي تقطيعه القراءة آية آية، فهو متروك به ومرفوض لأجله.

وجواب آخر: وهو أن القرآن مباين للشعر، بعيد منه من حيث أن الشعر كلام الشاعر والقرآن كلام الله عز وجل، ومن حيث أن القرآن معجز لا يشبه نظمه نظم الشعر ولا الخطب والرسائل، والشعر ليس بمعجز لكنه معهود مألوف أخذه الناس بعضهم من بعض، فيشعر الواحد بعد أن يكون شاعرًا، كما يتأدب بعد إن لم يكن أديبًا. ومن حيث أن الشعر كلام يغلب المجاز فيه على الحقيقة، والكذب على الصدق، والهزل على الجد، والقرآن كله حق وصدق وفضل، ليس بالهزل، كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. وأما القرآن كلام مقطوع لا منثور، ومفصل غير مسرود، والشعر منظوم أيضًا، وليس بمنثور، ليس بالذي ينكر أو بعض من القرآن، لأنهما لو لم يكونا جميعًا منظومين لما أمكننا أن نقابل بينهما. فعلم أن نظم القرآن مباين لنظمه. فإن المقابلة لا تقع إلا من شيئين مشتركين في وصف، فيقابل بينهما ليعلم أنهما في استحقاق ذلك الوصف على السواء. أو الثابت فيه لأحدهما فيه رجحان، وفضل على الثابت منه للآخر كالحيين، يقابل بينهما ليعلم أن حياة أحدهما كحياة الآخر وليست مثلها، فيتوصل ذلك إلى معرفة أن حياة الحيوان ليست كحياة الأشجار الرطبة. والعاقلين يقابل بينهما ليعلم أن عقل أحدهما كعقل الآخر أو ليس مثله. فيتوصل بذلك إلى معرفة أن عقل الإنسان ليس كعقل ما يوصف بالتمييز والاختيار من الدواب والطائر. والمصوتين يقابل بينهما ليعلم أن صوت أحدهما كصوت الآخر، أو ليس مثله، فيتوصل بذلك إلى معرفة إن كلام الناس ليس كمنطق الطير، وكذلك لما وجدنا القرآن منظومًا لا منثورًا، والشعر والخطب والرسائل منظومة لا منثورة، قابلنا بينه وبينها، ليعلم لنظمه نظمها أو المباين لها. فتوصلنا بهذه المقابلة إلى معرفة أن نظمه ليس كنظم كلام الناس. وفي هذا بيان أن الوقوف على إعجاز الآيات أن أشبه الوقوف على إتيان القصائد، فذلك لا ينقص من القرآن ولا يجعله شبيهًا بالشعر والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>