للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال جويبر: كان الضحاك بن مزاحم يعجب ممن يقول: إيمانه كإيمان جبريل. وأنكر ذلك عطاء بن أبي رباح وميمون بن مهران أشد، وقد كان ينبغي لمن يترك زيادة الإيمان بانضمام فروعه إليه ولا ينكر زيادته من قبل زيادة اليقين وفروعه أن لا يقول: إيماني كإيمان الملائكة والنبيين صلوات الله عليهم لأنه أعلم بالله تعالى، ومن كان أعلم به كان يقينه فوق يقين من يقصر علمه من علمهم وبالله التوفيق.

وقد يبرأ أحد الذين ينسب هذا القول منه، فقال: لا نقول هذا، ولكنا نقول دين الله واحد وعباده فيما شرع لهم منه سواء. فيقال لم نتكلم عنه، ومن قال لكم: إن الله تعالى أديانا وعبادة منها أوزاع؟ إنما نقول: دين الله واحد، وهو الإسلام الذي وصفه فقال: {إن الدين عند الله الإسلام} وقال: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه}. وسمى الدائنين بهذا الدين مسلمين ومؤمنين. وسمى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدين الإسلام مرة، ودعاه باسم الإيمان مرة أخرى. فهما اسمان لدين واحد. إلا أن هذا الدين له شعب فمن استكملها كان مستكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يكن مستكمل الإيمان وهذا لا يوجب أن يكون دين الله أكثر من واحد، وإن يكون لقوم دين، وآخر دين. ولو وجب إذا قلنا: إن الطاعات كلها إيمان، أن نكون أثبتنا لله تعالى أديانا، لوجب على الجميع إذا قالوا: الإقرار والاعتقاد معا إيمان، وهما خصلتان، أن يكونوا أثبتوا لله تعالى دينين، وإن كان وصفهم عملين، فإنهما إيمان لا يوجب أن يكون دين الله اثنين. فكذلك وصفنا أعمالا كثيرة بأنها إيمان لا يوجب أن يكون لله تعالى أديان كثيرة.

وأيضا فإن الصلاة عبادة واحدة لكنها تنقسم إلى خمس صلوات في كل يوم وليلة، فمن أقامها جميعا كان مستكملا لها، وإن أقام بعضا وترك بعضا، لم يكن مستكملا لها ذلك لا يخرج فرض الصلاة من أن يكون متفقا في نفسه، وإن يكون شرعة للناس واحدا فإن الناس إنما يوفون في التخالف من قيل أفعالهم التي يباشرونها، وإلا فالذي أمروا به غير مختلف في نفسه. والقول في كل صلاة وما ينقسم إليه من قول أو فعال هكذا أيضا. وكذلك صيام رمضان فرض واحد، ولكنه ينقسم إلى أيام، فمن صامها جميعاً كان

<<  <  ج: ص:  >  >>