للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستكملا فرض الشهر، ومن ترك بعضها لم يكن مستكملا له، وذلك لا يجعل الفرض مختلفا في نفسه لكنه متفق، وإنما الاختلاف في أفعال الناس دونه.

كذلك دين الله تعالى واحد. ولكن إقامة ذلك الدين من الناس مختلف، فمنهم أقل أفعالا، ومنهم أكثر أفعالا، وذلك لا يجعل الدين أديانا، والله أعلم.

وقال القائل: دعا الله تعالى عباده إلى الإقرار به، وتوحيده، وتصديق نبيه. فكان من أجاب إلى ذلك مؤمنا، ومن لم يجب إليه كافرا. ثم شرع الشرائع من بعد فرض الفرائض وحد الحدود، فثبت بذلك أنها ليست من الإيمان، إذا كان ثبوت الإيمان للناس سابقا لها.

فيقال له: أرأيت نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم قبل أن أوحى الله إليه إذا كان يمضي التعبد إلى حراء فلا يهتدي إلى شيء سوى متابعة السجود لله تعالى، أكان مؤمنا بالله؟ وخليل الله إبراهيم صلوات الله عليه حين قال لقومه: {إني برئ مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين}، أكان مؤمنا بالله تعالى؟ فلابد من نعم! فيقال له: أكان ذلك التصديق والإقرار منه إيمانا؟ فلابد من نعم! فيقال: كيف وقد جرى عليه حكم الإيمان قبل ذلك؟ وإذا اخترت أن يكون منه إيمان على إيمان. فما أنكرت أن الإيمان وأن تقدم على ما وصفته شرعت الشرائع، فإن عامة هذه الشرائع إيمان، وفعلها فعل إيمان.

فإن قال: إنما كان المتقدم إيمان لله تعالى، والحادث إيمان بالنبوة!

قيل: وكذلك ما تقدم وسبق شرع الشرائع إيمان بالله تعالى وبالنبي، والحادث صلاة وزكاة وصيام وحج وجهاد، فما بين الأمرين من فرق؟ ويقال له: أرأيت إذا فرض الله الصلاة ركعتين ثم زاد في الحصر، أكانت الزيادة زيادة الصلاة في الظهر والعصر والعشاء أولا؟ فإذا كانت زيادة صلاة فيها، قيل له: أليس قد صحت للناس هذه الصلوات من قبل أن تكون هذه الزيادة، فلم لا علمت بذلك، أن هذه الزيادة لا ظهر ولا عصر ولا عشاء كما قلت أن الشرائع لما شرعت، وقد صح للناس إيمانهم، دل ذلك على أنها ليست إيمان.

ويقال له: أرأيت الإيمان إذا تقدم كما وصفت ثم شرعت الشرائع لم يلزم قبولها إذا شرعت؟

<<  <  ج: ص:  >  >>