قيل له: أو يسبق القبول الأمر، فإن قال: نعم! قيل له: أرأيت رجلا اعتقد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تأتيه الرسالة، أنه إن نبئ سمع له فنبي وأطاع. استغنى بالعقد الذي تقدم منه على الإيمان به بعد أن جاءته الرسالة. فلابد من لا، فيقال له؟ ما أنكرت أن تصديق النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما نبي، والإقرار به لا يغني عن قبول ما يشرع على لسانه إذا شرع.
ثم يقال له: فإذا احتاج إلى القبول! فقيل: أما أن يكون ذلك إيمانا منه، فإذا قال ذلك، يكون إيمانا منه. قيل له: كيف وقد سبق الإيمان قبل أن يكون هذا الشرع، وإذا أجزت أن يكون الإيمان بائنا موجودا ثم يشرع ما يكون قبوله إيمانا، فيكون ذلك إيمانا على إيمان، فلم لا أجزت أن يشرع ما يكون العمل به إيمانا، فيكون إيمانا على إيمان، وبالله التوفيق.
قال هذا القائل: وإنما ميز الله تعالى بين الإيمان والعمل، ليتقدم الإيمان متجردا عن كل عمل إلى أن شرعت الأعمال وأنزلت الفرائض والحدود، فقال {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} ففرق بين الإيمان والأعمال الصالحة! فيقال له: أرأيت إن لم تكن الأعمال الصالحة إيمانا! أتقول: إن الأيمان من الأعمال الصالحة؟ فلابد من نعم؟ فيقال له: فقد ميز الله بينهما، فإن أجاز مع هذا التمييز أن يكون الإيمان من الأعمال الصالحة، فلم لا جاز أن تكون الأعمال الصالحة من الإيمان؟
ويقال له: ما أنكرت أن معنى الآية: أن الذين آمنوا بألسنتهم، وعملوا سائر الطاعات بعامة جوارحهم فكانوا مؤمنين مستكملي الإيمان، وإنما أفرد الإيمان من الصالحات لأنه أراه الإيمان باللسان بعد رسوخه في القلب ولو أراد الإيمان المطلق لكان في ذكر الإيمان كفاية عن ذكر الصالحات، وإذا كان هذا مما تحتمله الآية وجب حملها عليه للدليل الذي سبق ذكره والله أعلم.
قال هذا القائل: ويدل على اختلاف الإيمان والأعمال، أنك تجد الناس متفاضلين في الأعمال، ولا تجدهم متقاربين في الإيمان، وتفاضل في الدين، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك نصا،