وجاء أن داود عليه السلام كان جرى على أهل بيته الصلاة، فلم تكن ساعة من الليل والنهار إلا وإنسان قائم من آل داود يصلي. وليس ذلك لعبادة سواها، وكان ذلك مما يدل على غلظها وعظم قدرها. ومنها أنها لا تسقط بالأعذار ولا تنزل إلى الإبدال، ولا تجري فيها الغاية، فإنها غير مرفوعة عن مخاطب مكلف على سبيل الترفيه عنه، ولكن كل أحد مأمور أن يصليها ولا يؤخرها عن وقتها، صحيحًا كان أم مريضًا، آمنًا كان أو خائفًا، مقاتلاً كان أو غير مقاتل، حتى الذي مر بها الطلق، وحتى المربوط على خشبة، كل هؤلاء مأمورون بالصلاة على ما يمكنهم ويقدرون عليه، ويليق بأحوالهم. لا يحل بأحد منهم تأخيرها عن وقتها، ولا يقبل من أحد عنها فدية، ولا يجوز عنه من غيره نيابة. وليس هذا الشيء من العبادات بعد الإيمان، فدل ذلك على دنو منزلتها من الإيمان، وفضلها بذلك على غيرها.
ومنها أنه ليس في العبادات التابعة للإيمان عبادة تشتمل على أذكار وأفعال سوى الصلاة. ومعلوم أن كل واحد منهما يصلح للتقرب به إلى الله عز وجل. فإن قيل: فالإيمان نفسه ليس إلا الذكر. فقولوا: إن الصلاة بجمعها بين الأذكار والأفعال أفضل منه.
قيل: هذا غلط، لأن الإيمان جامع بين الأذكار والأفعال، وأحد أفعالها الصلاة التي نحن في ذكرها، فكيف يلزمنا أن نفضلها على الإيمان؟
فإن قيل: الدافع منه للكفر لا يحتاج إلى الصلاة: قيل: الدافع للكفر هو الذي جعلت الصلاة من شعبه وأركانه، ولكن دفع الكفر به بعجل قبل وجوب الصلاة. وذلك لا يخرج الصلاة من أن يكون من أركانها، كما أن النية والتكبير ينقلان عن لا صلاة إلى الصلاة، وذلك لا يدل على أن ما وراء التكبير ليس بصلاة والله أعلم.
ومنها أن شيئًا من العبادات لا يقتضي من كثرة الشرائط ما تقتضيه الصلاة، قول ذلك على أن غلظ حكمها وعظم قدرها. فإن ألزمنا على هذا الإيمان كان الجواب عنه كالجواب عن الذي قبله.
ومنها أن الصلاة من جنس عبادة الملائكة، فإنهم موصوفون بالقيام وبالركوع وبالسجود. قد جاءت الأخبار بذلك عنهم والبيان للذكر، ومعلوم أن الصيام والزكاة