لكم قيامه) فأبان أن قيام شهر رمضان سنة. وأما قيام غيره من ليالي السنة فإنه رغب فيه جملة، ولم يطلق عليه اسم السنة، فهو إذًا من جملة التطوع كصلاة الضحى بالنهار، وصلوات التسبيح والأربع الركعات بعد الزوال، فإنه ذكر أن أبواب السماء تفتح في ذلك الوقت وسيجاب الدعاء. وأما الوتر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله زاد كم صلاة وهي الوتر فصلوها بين العشاء والفجر) ومعنى ذلك عندنا: أنها زيدت على سنة العشاء المعني وهو أن المغرب وإن كانت توتر العشاء كما توتر سائر المكتوبات، فإنها متقدمة على العشاء، وبالنية لغيرها. فزيدت هذه الوتر بعد العشاء لتؤكد ما أوجبته المغرب من إيثارها. وتضاهي العشاء بذلك سائر الصلوات لمن يصلي الفرض وحده، ثم تدركه في جماعة فيصليه معهم.
وإن كان الفرض ساقطًا عنهم ليصير كأنه أدى الفرض في جماعة ولهذا المعنى تعلقت صحتها بفعل العشاء الآخرة، ولم يجز تقديمها عليها فهي من سنتها، وإن أخرت إلى الفراغ من صلاة الليل أوتر بها من بابها ونوعها، فإنها من صلاة التهجد مثلها. وهذه الصلوات كلها معلومة الهيئات، معروفة الأحكام، لا يخفي حملها على عامة المسلمين. وما وفاها من الفروع وبما يمكن أن يتحدث ويتوب. فأحكامها مفردة في الكتب المفردة لهذا الشأن. وإنما يذكر في هذا ما يتصل بآياته إن الصلاة من الإيمان. ويدل على عظم قدرها ووجوب المحافظة عليها، وغلظ الإثم على من أجل بها وقصر في حقوقها، وتعريف حكم الله في الأوقات التي وقت الصلاة بها، وفضل الاستكبار من نوافلها، وترتيبها من الآداب والهيئات فما شرع لها وترك الاقتصار منها على أقل ما يجري ويسقط به الفرض. وإظهار اليدين بها لأهل الملل بإقامتها جماعة في المساجد. والدلالة على حدود قيام رمضان والحث على قيام غيره وسائر ما جاء من وجوه التطوع والأمانة عن علم الوتر وتفضيل وجوهه، فإن هذه الأبواب تخلو منها أكثر كتب الفقهاء صنفوا في الفقه قديمًا، لأنهم أحبوا تجريده عما سواه، كما أفردوا لكل باب من أبواب الفقه كتابًا لا لمعنى سوى أنهم رأوا تجريده له أحسن من خلطه بما سواه. فأما اليوم فإن أكثر فقهاء زماننا أغفلوا