النظر في هذه الأبواب وظنوا أن علم الشريعة ليس إلا علم ما يستخرج بدقيق النظر من أحكام النوازل، وليس كذلك، بل علم العمل أهم وأفضل وأولى بالتقديم من علم اللسان، فإن الله عز وجل خلق عباده ليعبدوه لا ليستخرجوا بجهدهم الحوادث أحكامًا ويشغلوا ليلهم ونهارهم بدرسها، ويبطلوا أمر العبادات التي كانت دأب الصالحين، فلهم علمها، فذاك الذي دعاني إلى تخريج هذا الكتاب، والله ينفع به ويجعله لوجهه بمنه وقدره.
فصل
ونقول قبل ما اقتصصنا من هذه المعاني إن الله تعالى لما فرض الصلوات الخمس علينا وجعلها موقوتة، فقال:} إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا {. فيها من الليل والنهار، وأجل ما بين طلوع الشمس إلى زوالها من فرطها ليبسط الناس منه ويركنوا إلى التصرف في معايشهم وقضاء الحقوق التي تكون لبعضهم على بعض من الزيادة والعبادة والتهنئة والتعزية وغيرها. وأجلى منها الشطر الآخر من الليل أو ثلثهم ليستوفوا حظهم من النوم فيه، ويقضوا فيه وطرهم. وشغل بفرض الصلاة النصف الآخر من النهار، والنصف الأول من الليل، وما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وأنه وقت فارغ يعقب قضاء الناس حاجتهم من اليوم، ولا يتسع إلا للشراء والتصرف، ثم لم يفرض عليهم من الصلاة في هذه الأوقات يستغرقها بل السير منها لتجتمع لهم فيها العبادة والفراغ لما عسى يكون عليهم من إشغال المعاش، ويميلون إليه من الراحة والجمام ولله الحكمة البالغة.
ووجه آخر: وهو أن الله عز وجل لما جعل النهار لينتشر الناس فيه ويبتغوا نم فضله، والليل ليسكنوا فيه. فكانت حقيقة الليل والنهار أن تكون الشمس فوق الأرض أو تحتها، علق هذه الصلوات باحوال الشمس، ثم لم يجعل لطلوعها مدخلاً في إيجاب الصلاة، لأن لطلوعها من النهار، والحسن بما يأخذ بمجامع القلب، وقد يسجد في ذلك الوقت قوم من الكفار عبادة لها من دون الله تعالى وهم الذين أبادهم الله تعالى بقوله: {لا