للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرت، إن النبي صلى الله عليه وسلم يقوم بها. وزاد ما جملنا عليه، وانتهى ثابتًا أنه لا يمكن أن يكون قيام النبي صلى الله عليه وسلم للوتر وحدها، إذ لو كان كذلك، لكان يصليها بالعشاء ثم ينام. وإنما الأغلبية والاستدامة قام للوتر وغير، ثم صلى تسعًا أو سبعًا لم يجلس إلا في الثامنة، وإفساد بنيته، وجب أن يعلم أنه قصد بذلك ما قلنا من خلط الوتر، لأن الوتر خلاف الشفع والاشفاع، فيماثله بفضل بين الآخرة وبين ما قلنا، ليقع حكم الإيثار على الواحدة الآخرة. ولو والي بينهما وبين ما قلنا لكان الإتيان يقع بجميع الصلاة وهو لم يكن أراد هذا، وإنما أراد أن يكون إشفاعها من قيام الليل والآخرة وعددها وترًا. فلذلك لم يوال بينها وبين التي قبلها كما والي بين المتقدمة والله أعلم.

ثم وجب بأن يكون القول في الخمس والثلاث كالقول في السبع والتسع. ويدل ذلك على ما قلنا، إن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى الوتر ثلاثًا قرأ السورة فيها كلها شهرًا. فدل ذلك على أنه إما أن يكون أراد الإتيان بالثلاث معًا، فلم يجلس إلا في آخرهن وينوي بينهن في القراءة والجهد، لأنه والي بينهن. أو يكون أراد الجمع بين ركعتين تطوع، وركعة وتر بسلام واحد، فكانت الصلاة في تقدير صلاتين، فلذلك سوى بينهن في القراءة والجهد. ولو أوتر بها كلها وجلس في الثانية لصلاها كالمغرب. ولما لم يفعل ذلك علمنا إن الإتيان بالثلاث لم يقع منه صلى الله عليه وسلم إلا على أحد الوجهين اللذين ذكرتهما والله أعلم.

وروى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يوتر بتسع ركعات بوتر، يقرأ فيهن تسع سور: إذا زلزلت، والعصر، ثم إذا جاء نصر الله، ثم إنا أعطيناك الكوثر، ثم قل يا أيها الكافرون، ثم تبت يدا أبي لهب، ثم آية الكرسي، ثم الآيتين من آخر سورة البقرة، ثم قل هو الله أحد. ثم يقنت قبل أن يركع. وظاهر ذلك أنه والى بينهما ولم يفصل.

وأما معنى الركعتين بعد التسع والسبع، فهو أن الوتر لما لم ينفرد عن الإشفاع كان الحكم للاشفاع، لأنها أكثر من الوتر، فاحتملت الصلاة بعد بلا كراهية والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>