للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كون هذه الدعوات منهم كما أخبر عنهم عن كون الاعتراف بالله وبملائكته وكتبه ورسله منهم. فثبت أن كل ذلك إيمان، لأنه لو لم يكن إيمانا لم يكن الذي وجد منهم لأجله مؤمنين. وقد أجبت الآية أنهم كانوا مؤمنين لوجود ذلك كله منهم، وبالله التوفيق.

ويقال له: زعمت أن هذه الآية عبارة عن الاعتقاد، وذلك يلزمك أن يخرج الإقرار من جملة الإيمان، لأن الله جل وعز جعلهم بزعمك مؤمنين بالاعتقاد، فإن جاز مع ذلك أن يضم الإقرار إلى الاعتقاد- وليس ذلك بزعمك في الآية- لم لا جاز لغيرك أن تضم العبارات إلى الاعتقاد، وإن لم يكن في الآية على أن معنى الآية: والمؤمنون كلهم قالوا آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله. والدليل على ذلك أنه وصل بهذا قوله {لا نفرق بين أحد من رسله}. وهذا لا يليق إلا أن يكون كلام المؤمنين ولو لم يكن تقدير قوله جل وعز: {كل آمن بالله وملائكته ورسله}. ولم يفرقوا بين أحد من رسله. فلما قيل: {لا نفرق} ذلك على أن تقدير الحكاية ما وضعت، وفي ذلك ما يوجب أن يكون اختصاص الإقرار بالآية أشبه من اختصاص الاعتقاد، وبالله التوفيق.

قال الرجل: وأمرهم بعد صحة الاعتقاد أن يشهدوا لأنفسهم بالإيمان والإسلام، لقوله تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} إلى قوله: {ونحن له مسلمون} فمدح من شهد بذلك لنفسه، فقال تبارك وتعالى: {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا}. فأخبر بأنهم يصيرون بهذا مؤمنين، لقوله تعالى: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا}.

وهذا كله راجع إلى التصديق دون غيره من الأفعال، فثبت أنه الإيمان لا غير، فقال له في قوله "أمرهم بعد صحة الاعتقاد أن يشهدوا لأنفسهم بالإيمان" من أين قلت هذا؟ فإن ادعى أنه قاله، إن هذه الآية مرتبة على الآية التي بدأ بذكرها، وأن تلك في الاعتقاد، وهذه في الإقرار، طولب بالحجة في ما تدعيه من ذلك، ولن تحد إليه سبيلا، وإن لح في إثبات أن الإقرار يترتب على الاعتقاد، بدليل آخر، قبل في ذلك منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>