ومنها أن المسلمين إذا التقوا كل يوم وليلة خمس مرات للاجتماع على الصلاة عاد ذلك عليهم بالألفة والمودة، ولم يتقاطعوا ولم يستوحش بعضهم من بعض بأدنى بلاغ وأقل سبب. ويلتحق بهذا أن بعضهم يسأل عن بعض إذا لم يره، وأن كان وجل له حق قضاء، وإذا لم يجتمعوا ولم يتلاقوا جهل حال بعضهم حال بعض، ولم يصل إلى قضاء حق إن كان قد وجب له.
ومنها أنهم إذا قصدوا أن يصلوا جماعة احتاجوا إلى مكان يضمهم، فبينوا المساجد وعمروا ما قد بني منها. وكل واحد من البناء والعمارة عبادة. قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة بني الله له بيتًا في الجنة).
ومنها أنهم إذا أرادوا ذلك احتاجوا إلى مؤذن يحافظ عليهم الأوقات، ويعلمهم بها، فإذا نصبوه فالآذان للمؤذن عبادة. ونصبهم إياه الفرض الذي وصفنا عباده.
ومنها أنهم يحتاجون إلى إمام يكون لهم بمنزلة القائد والوالي، فإمامته إذا أدى الإمامة فيها له عبادة، واقتداؤه به لهم عبادة.
ومنها إن أكمل الصلاة هي الجمعة، فإذا صلى الناس غيرها جماعة فقد شهرها بها وحصلوا فيها بعض معانيها وأوصافها متبرعين، فكان ذلك نظيرًا أن يصلوا في الوقت الذي لا فرض عليهم فيه متنقلين، فشبهوه بالوقت الذي فيه عليهم فرض، وتحصوا فيه معناه ووصفه.
ومنها: أن الصلاة في الجماعة تقع لأوقاتها لأن كل واحد يفزع نفسه لشهورها وإقامتها، وصلاة المنفرد تقع مرة لأول الوقت ومرة لآخره، وربما تنتهي عن الوقت، وليس المحاسب نفسه كالمساهل إياه.
ومنها أن التدرب على الجماعة عصمة من ترك الصلاة، لأن المنفرد قد ينام عن الصلاة وقد ينساها، وقد يغفل منها وقد يكسل عنها ويتركها. والموكل بالجماعة ما بين هذا كله.