للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوقات دخولهم في زمن الحق ما عليهم في ذلك الفوز، فقد اهتدوا، كما أن المؤمنين الذين أمروا أن يقولوا آمنا لما كانوا مؤدين ما عليهم كانوا مهتدين، وصح منهم أن يقولوا بالإطلاق آمنا، والله أعلم.

وجواب آخر: وهو أنا لو سلمنا له أن قول الله جل وعز: {قولوا آمنا} إشارة إلى اعتقادهم وإقرارهم، فليس في ذلك ما يقيم له حجة، لأنا لم ننكر أن يكون ذلك إيمانا، فنكلف إقامة الدليل عليه. وإنما أنكرنا أن لا يكون ما عداه إيمانا، فإنما ينبغي أن يقيم الدليل على ما تنفيه ونثبته، لا على ما نثبته جميعا ولا ننكره، وكل ما قلنا في هذه الآية فهو في قوله عز وجل: {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا} مثله. لأن فيه مدحا للذين يقولون بهذا القول، وليس فيه تحديد الإيمان الذي أخبروا أنهم سمعوا مناديا ينادي إلى عبادة الله التي تنقسم أقساما ووجوها كثيرة. غير أن أعلاها وأثبتها التوحيد، فدخلت العبادات كلها في الإيمان الذي نادى به، ودخل في قول المحبين، فآمنا، ووصفهم أنفسهم بذلك إقامتهم كل ما دعاهم إليه المنادي.

فإن قال الرجل: لم يكن ذلك كذلك، وإنما المراد من النداء الإجابة إلى التوحيد، فإنما كان إلى الإيمان، والإجابة إن كانت إليه فإنما كانت إلى الإيمان، ولسنا ننكر ذلك الإيمان. وإنما الخلاف في الطاعات سواه، وليس إذا كان التوحيد إيمانا، أو امتنع أن تكون سائر الطاعات إيمانا، فما دليله على أنها ليست إيمان. فإن المختلف فيه أحق بإقامة الدليل عليه من المتفق عليه والله أعلم وبه التوفيق.

ويقال له: أرأيت لو قال لك قائل أن تصديق النبي صلى الله عليه وسلم ليس بإيمان، فإنما الإيمان هو التصديق بالله تعالى. لأن الله تعالى أثنى على ذلك: {قالوا ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا}، ولم يذكر الإيمان بالرسول، فإذا كنت تقول له: فإن فرغ إلى أن ذلك لما قام الدليل عليه لا في هذه الآية. قيل له: وكذلك الطاعات كلها، قد قام الدليل على أنها إيمان، لا في هذه الآية، فما أنكرت أن الرجوع إليها أولى من الرجوع إلى ما لا دلالة له فيه على موضع الخلاف وبالله التوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>