قال الرجل: وقد فرق الله تعالى بين الإيمان وبين سائر الخيرات بقوله: {لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا}.
فيقال له: ما في هذه الآية ما يدل على أن اكتساب الخير في الإيمان ليس بإيمان.
فإن قال: لأن ذلك لو كان كذلك، لكان كأنه قال: أو كسبت في إيمانها إيمانا.
قيل: وما الذي يمنع أن يقال ذلك وما فيه من المعاني التي يفسد بمثلها الكلام فأقم الدلالة على صحة ما تدعيه إن كانت عندك، فأنا لما تقولوه رادون، ولك بحجة مؤاخذون.
فإن قال: أنه لما قال: {أو كسبت في إيمانها خيرا} دل ذلك على أن المكسوب غير المكسوب فيه، بلى كذلك لا تكون دوائر الإيمان المبتدأ غير ما يقام فيه من صلاة وصيام وزكاة وحج وجهاد، وإن كان كل ذلك إيمانا، كما أن دوام عقد الصلاة وحرمتها غير ما يؤتى به فيها من ركوع وسجود وغيرها، وإن كان كل ذلك صلاة. فلم قلت: إن الخير المكسوب في الإيمان لا يكون إيمانا؟
ويقال له: ما أنكرت أن تقدير قول الله عز وجل: {أو كسبت في إيمانها خيرا} أو كسبت لإيمانها، كما لا تفعل الخيرات التي هي إيمان، والاستكثار منها، ونظيره قول الناس: أفاد فلان علي في علمه تقدما، أو في صناعته نفادا، أي استفاد كمالا في علمه وكمالا في صناعته. لأن التقدم في العلم علم، والنفد في الصناعة صناعة.
قال الرجل: وقال عز وجل: {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا} وقال: {فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن}، فلا يجوز أن تكون الأعمال الصالحة هي الإيمان، فيكون شرط صحة الشيء وسبب قيامه هو الشيء نفسه. فدل ذلك على أن الإيمان غيرها.
فيقال له: ما أنكرت أن معنى قول الله عز وجل: {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا} أي فيكون إيمانه بالله تاما كاملا إذ العمل الصالح إيمان. وهو كقول القائل: من صلى وأحسن الركوع والسجود فله كذا، فيكون المعنى. من صلى وأحسن الركوع والسجود