للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصف هذه الليلة: {إنا أنزلنا في ليلة مباركة، إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم}. فأخبر أنها مباركة. أي مبارك فيها لأولياء الله عز وجل، فإنها جعلت خير من ألف شهر أي إذا أحبوها وقدروها حق قدرها، فظلوا بالصلاة وقراءة القرآن والذكر، ولم يلهوا منها، ولم يلغوا، كانوا كأنهم فعلوا ذلك شهرًا وأكثر: {فيها يفرق كل أمر حكيم}. أي كل أمر مبني على السداد. والحكيم بمعنى يتحكم.

وقد جاءت في هذه الليلة أخبار مجمعة، المعنى فيها: أنها أوتار العشر الأواخر. وروت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تحروا ليلة القدر في الوتر في العشر الأواخر من رمضان). ثم فيها وجهان:

أحدهما: ما روي عن أبي قلابة رضي الله عنه من أنها تحول في ليالي العشر، أي تكون سنة إحدى ليلة غيرها.

والآخر: أنها إحدى الأوتار بعينها كلها، فإن كانت ذلك، فينبغي أن تكون ليلة خمس وعشرين، إن كان ما روى أن القرآن أنزل لأربع وعشرين من رمضان صحيحًا. فإن وهبًا ذكر أن صحف إبراهيم أنزلت أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة بعد ذلك لسبعمائة عام لثماني عشرة ليلة خلت من رمضان. وأنزل الفرقان بعد ذلك بستمائة وعشرين عامًا لأربع وعشرين ليلة مضت من رمضان. وإن لم يثبت هذا فهي ليلة مشكلة. وسأل أبو ذر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقسم عليه ليخبرنه بها حتى أعطيه، وقال: (لو أذن الله تعالى أن أخبركم بها لأخبرتكم، إلا أمر أن يكون أحد التسعين). يعني في العشر الأواخر لسبع خلون منها، أو لسبع بقين منها، وهو ليلة ثلاث وعشرين، أو ليلة سبع وعشرين. ودلت الأخبار على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم هذه الليلة وقتًا، غير أنه لم يكن ما دون في الأخبار يردها ثم أنسيها. فأما أنه لم يؤذن له في الأخبار بها، فلئلا يتكلون على عملهم بها، صحبوها دون سائر الأوتار، بل يخفوا الأوتار كلها فعصوها في

<<  <  ج: ص:  >  >>