للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيكونوا قد ضموا إلى أصل الإيمان المعاصي التي هي فروع الإيمان وإمارات التصديق، فيكمل بذلك إيمانهم.

وهذا كما أن من أراد الصلاة كفاه في الانتقال من الصلاة إلى الصلاة أن ينوي ويكبر وليس إذا صار بمجرد التكبير داخلا في الصلاة وجب أن لا تكون الصلاة كلها التكبير، وامتنع أن تكون بعضه فرائض يحتاج إلى الإيمان بها شيئا فشيئا لا لتتمة الانتقال، ولكن لتتمة ما وقع الانتقال به.

وهكذا من يريد الحج ولا يحتاج إلى الانتقال من الإحلال إلى الإحرام إلى أكثره من عقد الإحرام، وأراد به تقلبه ولا يدل ذلك على أن هذا هو الحج دون غيره، بل وراء ذلك أعمال يحتاج إلى الإتيان بها لا لتتمة الانتقال لكن لتتمة ما وقع الانتقال به، فإنه أمر بالإحرام ليقف بعرفه محرما، ويطوف ويسعى محرما.

فكذلك الكافر إذا عزم على الإيمان كفاه في الانتقال من الكفر إلى الإيمان الاعتقاد والإقرار وذلك لا يدل على أن هذا هو الإيمان، بل وراء ذلك فرائض تتابع، فكلما وجب منها احتاج منها إلى الإيمان به، إذ هو لم يؤمن بالانتقال وحده، وإنما أمر به، وبأن يصلي في إيمانه، ويزكي ويصوم ويحج ويجاهد، فلا يكمل إيمانه إلا بأداء واجباته كما لا يكمل حجه الذي صار داخلا فيه، إلا بأداء واجباته، ولا صلاته إذا صار داخلا فيها بتكبيرة إلا بأداء واجباته، والله أعلم.

ويقال له في قوله: إن الكفار لم يفرعوا عند معاينة البأس إلا إلى التصديق بدليل كذا وكذا، فثبت أن الإيمان غير التصديق، وهل سمعت أحدا من أصحابنا يقول: إن ما ليس بتصديق فهو إيمان؟ قلنا: ما عرفنا أحدا يقول ذلك. والإيمان عندنا هو التصديق، وما ليس بتصديق فليس بإيمان، إلا أن الطاعات عندنا كلها تصديق من الوجه الذي تقدم بيانه. وإذا كان تصديقا وكان الإيمان التصديق، لم يكن تصديق بأن يكون إيمانا أحق من تصديق، وبالله التوفيق.

قال الرجل: ويدل على ذلك أنه لا تخلوا كل عبادة من أن يكون إيمانا بنفسها على الانفراد، أو يكون الإيمان اسما لجميع الخيرات، فإن كانت كل عبادة إيمانا على الانفراد ودينا وإسلاما فهي إذا أديان، ويكون مع الواحد عشرة أديان أو عشرون ديناً، ومع

<<  <  ج: ص:  >  >>