الكفر التصديق، وهذا مسلم لك وزيادة، لأنا نقول: الإيمان كله التصديق، والطاعات كلها تصديق، لأن من لا يصدق بالباري عز وجل ولا يصدق برسوله، لا يظمأ نهاره بالصوم ولا يسهر ليله بالقيام، ولا يتعب جوارحه وأعضاءه بالصلاة، ولا ينقص ماله بالزكوات، ولا يجهد نفسه بالحج، ولا يتعرض للقتل بالجهاد، ولا يبكي من خوف الجحيم، وإذا كانت الطاعات كلها تصديقا، وجب أن تكون كلها إيمانا، وما كان منها ضدا للكفر وكان ضد الفسق فسواء، والله أعلم.
ويقال له: الكفر والإيمان في انقسامهما إلى الأصل والفرع سببان عندنا، لأن الجحود أصل الكفر، والمعاصي كلها فروعه. إذ الجروح صريح والمعاصي أمارات وكذلك الإقرار الذي ينشأ عن الاعتقاد صريح الإيمان، والطاعات أمارات، وأمارات الكفر في الكفر كفر، وأمارات الإيمان في الإيمان إيمان. والأمارة مقصر بها عن رتبة الصريح في الأمرين، فإذا كانت الأشياء تعرف بأضدادها، فما أنكرت أن هذا وجه معرفة الكفر والإيمان وبالله التوفيق.
قال الرجل: ويدل على أن سوى التصديق من العبادات ليس بإيمان، أن الكفار لم يفرعوا عند مبايعتهم بأس الله إلى غير التصديق، كفرعون لما أدركه الغرق قال:{آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل}، وقوله:{فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده}. وقوله:{قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم}. وقوله:{يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها}. فإنما فرعت الكفر عند الضرورة إلى ما عرفوه حقيقة الإيمان وهو التصديق دون شيء من العبادات، فثبت أن الإيمان غير التصديق.
فيقال له: إن الكفار يفرعون عند رؤية البأس إلى أصل الإيمان، وهو صريحه الذي يضاد صريح الكفر وأصله، وليس ذلك إلا الاعتقاد والإقرار ولا يفرعون إلى فروع الإيمان لأن مزايلة أصل الكفر لا يقع بها لكن ذلك لا يمنع من أن يكونوا بعد الدخول في دين الحق محتاجين إليها، لتكمل درجات الإيمان وشعبه، ولئلا يعصوا بترك الفرائض