فأما الحج الذي يراد به الفضل على سبيل الزيادة، فإنما يتفرع عن تشريف الله تعالى هذا البيت بإضافته إلى نفسه وإطلاقه للناس أن يقولوا: لا يكون إلا من توقيف متوارث أو نص متناقل. وقد قال الله عز وجل:{ولا آمين البيت الحرام}. وقال:{جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس}. ولما أخبر أنه بيت حرام، وكانت تلك الحرمة حقه جل ثناؤه وعلمنا أنه خلق البيت ليضاف إليه لا ليضاف إلى أحد من عباده، فاقتضى ذلك أن يؤمه الناس بحجه وزيارته. فإن تعظيم الله تعالى إذا كان في الأرض بيته بحرم يشرف باسمه أن يزار ويعبد عقيدة، وتعظيمه تقربًا بذلك وتعظيمًا وتكريمًا لاسمه. وإن كان يعلم أنه لا يحتاج إلى البيوت ولا يسكنها، فإن الملائكة الذين هم حول العرش يعلمون أن الله عز وجل لا يحتاج إلى سرير ويتعظم بالجلوس عليه. وأنه لا يجوز أن يتوهم عليه بهذا، ولا أن يظن به. فإنه قد كان ولا عرش ولا بيت، لم يزل لا في مكان، ولا يزال لا في مكان، ولا يمكن أن يحويه مكان أو يحصره أو يحيط به مكان.
ثم لم يمكنهم ذلك من تعظيم العرش بعد أن شرفه باسمه، والصف حوله، والتسبيح عنده، وكذلك غلب بأن الله تعالى لا يحتاج إلى البيت ولا يمنعهم من تعظيم بيت قد شرفه باسمه وحرمه وبحرمته ما حوله. ومن التعظيم أن يزوره، وأن لا يقطع وفودهم عنه. فهذا سبب الحج.
وذكر وهب بن منبه في كتابه: أن آدم صلوات الله عليه لما أهبط إلى الأرض استوحش فيها، لما رأى من سعتها، ولم ير فيها أحدًا غيره، فقال: رب، أما أرضك هذه عامر يسجد فيها ويقدس لك غيري، قال الله عز وجل: {إني لأجعل فيها من ذريتك من يسبح بحمدي ويقدس لي، واجعل فيها بيوتًا ترفع لذكري ويستحي فيها خلقي، وسيأتونك منها بيتًا اختاره لنفسي وأخصه بكرامتي واوثره على بيوت الأرض كلها باسمي وأسميه بيتي لتعظيمه بعظمتي، وأخرمه بحرمتي، وأجعله أحق البيوت وأولاها بذكري، وأضعه في البقعة التي اخترت لنفسي، فإني أخبرت مكانه يوم خلقت السموات والأرض، ومن قبل ذلك، فهو صفوتي من البيوت، ولست أسكنه، ولا ينبغي أن أسكن البيوت،