{ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية}. وقال:{وكان عرشه على الماء}. وجعله للملائكة المقربين مطافًا وجعل لهم حوله صنافًا. فإنما خلق هذا البيت في الأرض ليكون فيها سكان البيت المعمور في مكانه من السموات، ومكان العرش حيث هو لمن في السموات.
وجاء عن الحسن ومجاهد: أن الكعبة تحت البيت المعمور وبحذائه.
وقال قتادة: ذكر لنا أن الحرم حرم بحياله إلى العرش. وإذا كان كذلك، فهو إذًا إنما وضع تحت البيت المعمور الذي هو يحاذي العرش، ليكون معناه في الأرض، معنى ما هو بحيالهما حيث هما. وكان العرش إنما يشرق باسم الله تعالى ليكون متعبدًا للملائكة المقربين يطوفون حوله ويصفون ويسبحون لله عز وجل. والبيت المعمور بيت حيث هي بحياله ليكون معبد الملائكة الذين هم في تلك السموات. فكذلك الكعبة إنما شرفت باسم الله تعالى، وضعت في الأرض بحيال البيت المعمور ليكون متعبدًا لسكان الأرض، فخصه الله بعبادتين: أحدهما الطواف فلا يجوز إلا حوله. والآخر: الصلاة فلا تجوز إلا إليه. وذلك على صحة ما قلنا من أن هذا البيت وضع في الأرض ليكون متعبدًا لا يسكنه ساكن أن الله عز وجل اختار له وضعه للناس.
ومعلوم أنه لا يحمل الناس ولا يسمعهم، فصح أن معنى وضعه للناس إن شاء، وآتوا العبادة حوله، ويتشاركوا في الصلاة إليه. ودل عليه أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر:(أن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السموات والأرض). ولو وضعه لهم ليستكفوه لما حرمه ولما حرم ما حوله، كما لم يفعل ذلك بالمساكن التي هي في مشارق الأرض ومغاربها. فقد ظهر بما وصفنا السبب الذي تعلق الصلاة والطواف بالبيت لأجله. ويؤكد ذلك أن الصلاة إذا كانت عبادة لله عز وجل، ولم يكن بدًا إذا وقف الرجل يصلي من أن يستقبل جهة من الجهات، كان أولى جهة بأن يستقبلها جهة البيت المشرف بأمامه المعظم بإضافته إليه. فصارت قبلة لإبراهيم صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من هذا الوجه والله أعلم.