فيجاوزه إلى الرابع، فخاف صدا فعاد إلى الأول، ثم لم يزل يستدير ويتحول من صفحة إلى صفحة حتى استكمل سبعًا موعد الآذن وبشر بالقبول، وقيل له: قد وقع فعلك موقعه فانصرف الآن إلى يوم الزيارة. ويخرجون إلى عرفة كان مباح الزوار جعل فيها لأنها من الحل فلا ينبغي لمن لم يؤذن لقاء الزيارة، وهي من همه أن يقوم مقامه في الحرم، ومنه يزور لأن الزائر في العادة من يقصد غيره وهو بمعزل عنه. فأما من كان عنده فلا زيارة تقع منه له. وإذا كان حرم البيت كالبيت فالمقيم فيه كالمقيم في البيت أو عنده، فلا تتعذر منه زيارته، فجعل مجمع الزوار قبل مجيء وقت الزيارة عرفه، فإذا جمعوا بها وبقوا طويلاً، ودعوا وتضرعوا حتى إذا طال ذلك عليهم وجن الليل، إذن لهم في تورد الحرم والدنو ليلاً، فيأتون المزدلفة ويقيمون بها ليلهم داعين ضارعين، حتى إذا أسفر النهار، قدموا منها إلى منى، وأمروا أن يرموا بها جمرة العقبة بسبع حصاة كأنهم مخاطبون الشيطان ويقولون: لا مطمع لك فينا بعد اليوم، فقد بايعناك وقطعناك. ويتصورون بصورة من يدخر عدوا ويقذفه يريد تنحيته عن نفسه وإبعاده، ويرمونه بسبع حصاة. كما يطوفون حول البيت سبعًا ليكون مكان كل طوفة بالبيت رمية وحرقة للشيطان.
وفيه وجه آخر: وهو أن يكون رمي الحصى تأويلاً لإسقاط الالواث والارجاس عن أنفسهم. كأنهم يقولون: قد طرحنا بذنوبنا وأحلامنا فتتبرأنا منها، كما القينا هذه الحصى من الدنيا، وأبعدناها عن أنفسنا. والرمي مثل الإبعاد.
وفيه وجه آخر: وهو أن المناسك كلها موروثة عن إبراهيم عليه السلام قال النبي صلى الله عليه وسلم {يا أيها الناس أقيموا على مشاعركم فإنكم على ارث من ارث أبيكم إبراهيم}.
وروى أن إبليس أعرض له بمنى فزجره بحصيات رماه بها لئلا يفسد عليه نسكه، فأوجب حق الإقتداء به، أن يرمي مثل تلك الحصيات كل خارج، تبركًا لمبايعته، وإتباع سبيله. أن ترى أن الاقتداء بأمته في السعي، كيف كان واجبًا على ما يذكر في معناه فأولى أن يجب الاقتداء في الرمي به نفسه.
وفيه وجه رابع: وهو ما روى أن الله عز وجل لما فدى إسماعيل بكبش، أتاه