للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثابًا ومنابًا يقصدونه إذا ثابوا إليه، لأنهم لا يعضلون إلى عبادة، وليس يدني مكاني فيقعدني مكانه، وإذا نظروا لم يجدوا موضعًا يحققون الإنابة إليه بحضوره أولى من البيت المشرف باسمه، الحرم بحرمته، المجعول وجهه قبلة للمصلين، وما حوله للطائفين. فيقومون البيت منصورين بضم العبيد إلا ثابوا المستعصين، يريدون الرجوع إلى مولاهم حتى إذا بلغوا الميقات، وفضوا ملابسهم المعتادة، واغتسلوا ولبسوا الرباط كما يفعل بالحي إذا مات، فيغسل ويكفن في الرباط، كأنما هجروا الدنيا وزينتها، وخلفوها وراء ظهورهم، واحرموا عائدين على أنفسهم أن يدوموا على ما هم عليه، ولا يتلذذوا بطيب ولا مباشرة، ولا يلهوا باصطياد، ولا يتنعمون بأخذ شعر، ولا بتقليم ظفر، إلى أن يأذن الله تعالى لهم فيه، متصورين بصورة العبيد الذين ذكرناهم إذا أشرفوا على بلد مولاهم، فغيروا أحوالهم وتهيبوا بهيبة الخشوع والذلة، منتظرين ما يمن به عليهم مولاهم من العفو، فيكون من أقلهم تلك الحال عند ذلك لا قبله. فإذا وصلوا إلى مكة ثم يعرجون على شيء دون الطواف، كما أن العبد الراجع بعد فطافوا حول البيت متصورين بصورة عبد لاذ بسيده، وهو يقول له: أن لك وإليك، لا مذهب لي عنك، ولا منقلب إلا حولك، وذاك أن الطواف إذا كان حول البيت، كان الطائف لازمًا بالبيت لكل حال. وكلما ذهب عن وجه البيت إذا افتتح طواف أعاد إليه إذا ختمه، فكأنه يقول: أينما ذهبت فلست بذاهب عنك، وحيث ما مضيت، فإني راجع إليك، والإشارة في ذلك إلى أن بنت وأتيت، فلست المحدث ما يبعدني عنك، وأن أكون جلال ما ألابسه من الأشغال والأعمال خارجًا إلى ما يسخطك، كما أني في ذهابي عن باب بيتك طائعًا لست مهاجرًا إياه، ولا مفارق له، ولكني متمسك بجوار عابد إذا استدرت عن قيامه.

وله وجه آخر: وهو أنه قد جاء يزور البيت، ولكل حرمة الحرمة التي بجميعه، فلا يكون محدثًا عهدًا بجميع آخر البيت إلا بأن يستدير حوله، فاحتاج إلى الطواف لذلك، ثم الزيادة على المرة الواحدة للولوع بما أصاب، والحرص على الإستنكار منه وإظهار السرور به، وكل ذلك ملائم للعادات ليس بخارج منها.

وله وجه آخر: وهو أن يتصور الطائف بصورة من إناء البيت من أحد وجوهه، فخاف صدا فيجاوزه إلى وجه آخر، فخاف صدا فيجاوزه إلى وجه ثالث، فخاف صدا

<<  <  ج: ص:  >  >>