للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه من الإحرام الجامع لهذه المحظورات التي سبق ذكرها، يضاهي إحرام الصلاة التي يحرم به الكلام، وكشف العورة والإعراض عن القبلة، والمشي وسائر الأعمال التي ليست بصلاة، إلى غير ذلك. ويضاهي الصلاة المحرم للطعام والشراب والمباشرة، وأما ما فيه من التلبية، وأذكار الوقوف والطواف والسعي، فهو شبيه بأذكار الصلاة في القيام والركوع والسجود والقعود، وما فيه من الطواف والسعي فيشبهان بركعات الصلاة.

وما فيه من المقام بمنى والرمي، فإنه شبيه بالمرابط في سبيل الله والجهاد. وأما الوقوف بعرفة والمشعر الحرام فشبه بالاعتكاف في المساجد. وأما ما يلزم على حضور هذه المشاهدة، وتكلف هذه المناسك من مزية في المال فهو نظير الزكاة. فقد اجتمعت في الحج معاني العبادات كلها، فمن حج فكأنما صام وصلى واعتكف وزكى ورابط في سبيل الله وغزا.

وقال أبو الشعيا جابر بن يزيد: الصوم والصلاة يجتهدان البدن ويجهدان المال والصدقة تجهد المال ولا تجهد البدن. وأني أعلم شيئًا أجهد المال والبدن من هذا الوجه -يعني الحج.

وفي ذلك ما يبين عظم قدر الحج وجلال موقعه من العبادات.

فصل

ثم أن أعرض الحج أن الناس كما أنهم لما كانوا لا يتمالكون من أن يعرض فيهم في العبادة الكسل، ويتصل بكثير من طاعاتهم الخلل، فكان تعالى رحيمًا بعباده، ورفقًا بجميع خلقه، نظر لهم بأن جعل لهم أوقاتًا معلومة ضاعف ثواب أعمالهم، ودلهم عليها ليكون ذلك متعة لهم على الجد في العمل، حتى إذا فعلوا ما أمرهم به، ورغبوا فيما رغبهم فيه، غدا اليسير من عملهم كثيرًا. بها، جزاء موفورًا، فكذلك لما كانوا لا يتماسكون عن أن تبدر منهم بوادر العصيان، ويجدف منهم حوادث الإسراف والطغيان بين لهم في الدنيا معادًا يعودون إليه إذا أرادوا النزوع عما أسخط الله تعالى معتصمًا يعتصمون به، إذا هموا بالرجوع إلى ما يرضي الله عز وجل، فجعل ذلك حج بيته الحرام، ووصف لهم

<<  <  ج: ص:  >  >>