للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما جواز أن يقال لمن انتقل من صلاة إلى صلاة، أو من حج إلى عمرة، فلا يلزمنا أن نقوله. لأنا قد بينا أن الدين واحد وإن كثر. والطاعات لا تنحه علينا مع ذلك هذا الكلام.

وأيضا فإن الناس كانوا يقبلون فرض صيام الليل وفرض الصدقة عند التخوف وفرض النيات من الواحد للعشرة، فكان يقبل ذلك إيمانا منهم، فلما نسخ ووضع عنهم سقط ذلك الثقيل، وخرجوا منه إلى اعتقاد أن شيئا من ذلك لا يلزم، فكان هذا الاعتقاد هو الإيمان. وما كان يجوز أن يقال: أنهم خرجوا من دين إلى دين، لأنهم خرجوا من تقبل فرض إلى تقبل سقوطه، وإن كان ذلك الثقيل دينا فلا ينكر أن تكون الصلوات إيمانا ودينا، ومع ذلك لا يجوز أن يقال للخارج من صلاة إلى صلاة خارج من دين إلى دين، وأيضا فإن الإيمان عندك الاعتقاد والإقرار، فمن اعتقد واعترف فقد آمن.

ثم لا يقول: إذا تم اعتقاده واعترافه وانقطع كلامه فقد انقطع دينه وانقضى إيمانه، ولا إذا أمسك عن الاعتراف أنه يمسك عن الإيمان أو يمسك عن الدين، فكذلك لا يلزمني إذا قامت الصلاة دين، أن أقول لمن خرج من صلاة إلى صلاة، أنه خرج من دين إلى دين، وأما أن كل طاعة إذا كانت دينا لم يصح القول بزيادة الإيمان، لأنه لا يدري ما الذي يوصف بالزيادة، فإنه يعارض عليه بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فلو أجابوه لكانوا مؤمنين! فإذا قال: نعم! قيل له؟ فإن أمرهم بعد ذلك بالصلاة فقبلوا لكان يكون منزلهم إياها زيادة إيمان. فلابد من نعم. فيقال له: فإذا كنت الشرائع لم تكمل! فعلى ماذا كانت الزيادة؟ وإن قال: كانت الزيادة على ما نص، قيل: فكذلك كل طاعة يستجدها العبد فهي زيادة إيمان على ما مضى من طاعته، لا على نهاية الطاعات التي لم توجد.

ويقال له: أرأيت لو بعث الله جل ثناؤه في زمن النبوة نبيا، فدعا الناس إلى الله تعالى، فآمنوا وصدقوا، ثم بعث نبيا آخر، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم الأول، بأن الثاني نبي، أو جاء بمعجزة تدل على صدقة، كان يلزم أن يؤمنوا به، فلابد من نعم! فيقال له: صلي فإذا آمنوا به، أيكون ذلك زيادة إيمان منهم؟ فلابد من نعم! فيقال له: فعلى ماذا تكون الزيادة والنبوة لما بيناه، والأنبياء لم يتكاملوا؟ فإن قال: تكون زيادة إيمان على ما تقدم من الإيمان بالرسل المبعوثين. قيل: فقل في الطاعة بعد الطاعة مثل ذلك، وبالله التوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>