للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله: وكذلك الكمال. فجوابه: أن وصف الإيمان بالكمال يصح لأن له شعبا معلومة، فمن استكملها فهو كامل الإيمان في حق ما مضى من أيامه، وإنما يبقى أن يستقبل مثل ما قدم إن بقى، فإن فعل ذلك إلى آخره عمره ما يكامل الإيمان، وهو كما يقول فيمن صدق بقلبه ولسانه أنه كامل الإيمان، لكن في حق الحال وهو محتاج إلى الثبات عليه فيما يستقبل، ووقوع الحاجة إلى الاستدامة في المستقبل، لم يمنعك من وصف الوجود في الحال ما جلبته من الكمال. فقولي في الطاعات كقولك في الدوام والله أعلم.

وأما قوله: أن الإيمان، كان جميع الطاعات، والمؤمن إذا بدأ في جمع الإيمان وتحصيله، فمتى تثبت له الزيادة؟

فجوابه: إنما لا يثبت الزيادة من حيث قدر العبادة، وإنما تثبت الزيادة في فعل المؤمن على معنى أنه إذا عمل طاعة فكانت له إيمانا ثم عمل طاعة أخرى كانت له زيادة إيمان. ومعنى الزيادة أنها زيادة على ما مضى، لا أنها زيادة على كل ما يمكن أن يتقرب به إلى الله تعالى. لأن ما في قدر العباد من ذلك إنما ينقضي بانقضائهم. وهذا كما أن من صلى ثم صلى، كانت الثانية له زيادة صلاة. ولا يقال: كيف تكون زيادة وما في قدرة العبد من الصلاة غير محدود؟ فلذلك كل طاعة تحدث فهي زيادة إيمان، وإن لم تكن الطاعات التي قدر العبادة محدودة عندهم ولا معلومة لهم والله أعلم.

قال الرجل: والانتهاء عن الكفر لا يكون إلا بالإيمان. لقوله تبارك وتعالى:

{قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}. ولو كان الإيمان اسما لجميع الطاعات لم يصر منتهيا عن الكفر حتى يأتي بها كلها، فلما كان التصديق انتهى عن الكفر وبه تجب المغفرة ثبت أن الإيمان سواه.

يقال له: لسنا ننكر أن الانتهاء عن الكفر لا يمكن إلا بالإيمان، وإنما ننكر أن لا يكون سوى ما ينتهي به عن أصل الكفر، ويقال: أن ما ينتهي به عن الكفر إيمان. وما يحتذر به من الفسق أو ينتهي به عنه إيمان. وكل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى من

<<  <  ج: ص:  >  >>