الله صلى الله عليه وسلم جماعة بالهجرة إلى ديار الحبشة، وذلك قبل أن يسلم أهل المدينة فلما أسلموا أمر جماعة منهم بالهجرة إليها غير محرم على غيرها أن يقعدوا، ثم أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة، فقال:{وقل رب أدخلني مدخل صدق، وأخرجني مخرج صدق، واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا}.
قيل: أراد أخرجني مخرج صدق وأدخلني مدخل صدق. فهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم غير محرم على من يخلف عنه أن يقيم بمكة، وإن كانت دار شرك. ثم إن الله تعالى أذن لهم في قتال من يقاتلهم، ولم يأذن في ابتداء المشركين بالقتال، فنزل:{وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}.
ثم أذن لهم في الابتداء، فقال:{أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا، وإن الله على نصرهم لقدير}. فقد قرأ قوم يقاتلون، فرجع إلى معنى ما قبله. ثم إن الله تعالى فرض الجهاد على رسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، وفرض الهجرة على المتخلفين بمكة من المسلمين إلى أن فتحت مكة، فأسقط ذلك عنه فرضها، وقال:(لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية). فأنزل الله في فرض الجهاد:{كتب عليكم القتال وهو كره لكن، وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم}. {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة}. {وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم}{قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر}{وجاهدوا في الله حق جهاده}{فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب}. ثم ألزم الجهاد إلزامًا لا يخرج منه، فقال:{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، وعدًا عليه في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أوفى بعهده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به}.