ومعلوم أنه لا يكون هناك مانع بأن يقول يعتاد بقول الله {اشترى} وإنما أريد به أنه لما فرض الجهاد، صار قبوله والطاعة له فيه من الإيمان، حق إن لم يقتلوا كفروا. وكان فرضه بشرط أن من قتل أو قتل في سبيل الله، فله الجنة. فمن قتله على هذا كان بادلًا نفسه بالجنة، وذلك في جريرة المبايعة، فكانوا بائعين. والله عز وجل مشتريًا من هذا الوجه. وكل بائع بثمن إلى أجل، مكلف أن يسلم فتسد بذلك فرض الجهاد ولزومه والله أعلم.
ثم إن الجهاد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان على منزلتين: أحدهما: أن يجهز سرية، فيكون على من بعثه أن يخرج من أن يكون له فيه خيار، قال الله عز وجل:{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}.
والأخرى: أن يخرج بنفسه، فكان يلزم عادة المطيعين أن يخرجوا بخروجه إلا من يتخلف لما يراه، فيكون له القعود بإذنه. قال الله عز وجل:{ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله، ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه}. وهذا في القوم المجاورين له القيمين معه في بلده. فأما الناؤون عنه، فكان حكمهم إذا دعاهم أن يستجيبوا وإن استنفرهم أن ينفروا، وإن أمرهم بالانضمام إلى جيش قد بعثهم أن ينضموا، وإن قعدهم عدو أن ينفر منهم من تقع به الكفاية في دفع العدو، ولقول الله عز وجل:{وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة}. وهذا هو الحكم بعده في عامة البلدان لا يلزم أهل بلدنا بأسرهم أن ينفروا إلا أن يحتاج إلى جميعهم، ولا يسمح لأحد يطيق القتال أن يتخلف وإن استغنى ببعضهم لم يلزم الجماعة أن يخرجوا والله أعلم.
وإن لم يقع نفر منهم، فينبغي للإمام أن لا يعطل فرض الجهاد، وأن يكون له كل سنة غزو كيلا يأمن الكفار جوانب المسلمين فيبدأوهم، وهو مطلق في الأوقات كلها لا يختلف المسلمون في شيء منها إلا في الأشهر الحرم، فإن أكثر العلماء، على أن تحريم القتال