للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها منسوخ، وقول عطاء بن أبي رباح أنه نائب. ويلزم كل من يقول: إن الدية تغلظ على القاتل في الشهر خطأ، أن تثبت حرمة الأشهر الحرم، فإن أبى لم تنهض حجته، بل يلزم لمن يقول: القتال فيها مباح أن يقول: ليس في الشهور شهر حرام أن لا يثبت الأشهر الحرم، ويزعم أن تحريم القتال فيها منسوخ لأنه لا يظهر لحرمتها أثر في تحريم القتال. فإن كان ذلك زائلًا. فالأشهر كلها متفقة وليس منها شهر حرام، ولا أعلم أحدًا من المسلمين أطلق ذلك.

وتحريم القتال في الأشهر الحرم إنما هو تحريم ابتداء به. فأما قتال من يقاتل فلم يكن حرامًا، وليس اليوم بحرام. وروى عطاء بن جابر رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يغزو في الأشهر الحرم إلا أن يغزوا. ومن أنكر ما قلنا محتجًا بأن النبي صلى الله عليه وسلم غزا الطائف في ذي قعده، فليست حجته بالبينة، لأنه لما غزا هوازن غزاها لست بقين من رمضان، فكانت جمعت جموعًا كثيرة منها ثقيف. فلما فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم انهزم المشركون إلى الطائف. فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا الطائف في شوال، فكان هذا معارض لما رواه غيرنا. فإن ثبتت له روايته، فقد يجوز أن يكون غزاهم في شوال فلم ينفصل الأمر معهم حتى دخل ذو القعدة. وكان لإمامهم إن رجع أن تكون منهم عطفه على المسلمين، فلم ينصرف. أن يكون علم أن المشركين انهزموا إلى الطائف ليستظهروا بمن فيها فيكروا. فقصد الطائف يريد الذين قاتلوه، ثم انحاز إلى غيرهم وكان ذلك في معنى قتال المقابله لا في معنى الابتداء والله أعلم. لو أردت أن استوفي جميع ما في القرآن من الآيات الدالة على فرض قتال المشركين لخرج هذا الكتاب عن الحد الموضوع، وفي الآية الواحدة بما كتبت كفاية، فكيف في جميعها؟

ونقول: إن الجهاد من أعظم أركان الإسلام لأنه لا شيء أعز على أحد من الحياة، فإذا بلغ بأحد تعظيم الله تعالى حده وحبه، والغيظ من يشرك به وبغضه إن قاتله، ورضي بما يؤول أمره إليه من أن يَقْتِل أو يُقْتَل، فأبت نفسه أن يرى عدوًا لله ما شاء على وجه الأرض منعمًا بالحياة متقلبًا في نعمة الله جل جلاله، ثم هو في ذلك كله يكفر به، فأما أن يجحده وإما أن يشرك به من لا خلق له، فلا رزق منه ولا ضر ولا يقع بتوقع منه، فدعته الحمية إلى أن يجاهده. فأما أن يرده إلى الحق، وإما أن يقتله. ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>