أن قتل العدو، فلا هم من ذلك على قلبه، بأن يخرج من الدنيا فلا يحتاج إلى أن يلقى عدوًا لله بالصفة التي ذكرناها. فكان الموت أحب إليه من لقائه، وجب أن يعلم أن إيمانه أصدق الإيمان، وأن إخلاصه أكمل الإخلاص، فلذلك زود الله تعالى من ذكر فضل الجهاد بعدما كره من أحكام فرضه ما لم يفعله منها في فريضة من فرائض الإسلام.
وجاء من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا ما لم يجيء في شريعة من شرائع الإسلام. وسنذكر ما تيسر من الآي والأخبار في ذلك إن شاء الله.
فإن قال قائل: فما بال الجهاد لم يذكر في الحديث الذي قيل فيه (بني الإسلام على خمس). قيل: لم تذكر في بعضها الشهادة بأن محمدًا رسول الله، فلا يدل ذلك على أنها ليست من أركان الإيمان.
وقد يجوز أن يكون أراد العبادات التي لا يتعجل منها ثواب في الدنيا فذكر الشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج، ولم يذكر الجهاد لأنه قد يتعجل ثوابه في الدنيا وهو الغنيمة. وعلى أنه قد جاء ذكره في بعض الأخبار، لأنه روى أي العمل أفضل، فقال:(الصوم في يوم الصيف، وجهاد أعداء الله بالسيف). وقد ذكر مع الصوم في غير هذا الحديث ويجوز أن يكون ذكر خمسًا لا تسقط عن أحد بأن يفعله غيره لنفسه. والجهاد ليس كذلك، لأن النفير إذا وقع فخرج من تقع بهم الكفاية ودفعوا العدو، سقط الفرض عن الباقين.
ويقال: أراد خمسًا لا يمكن أن يتوصل إليها إلا مع الإسلام، فإن الصلاة لا تصح إلا من مسلم، والزكاة لا تؤخذ إلا من مال مسلم، والصوم لا يجوز إلا من مسلم، والحج لا يتأدى إلا من مسلم، سواء حج بنفسه أو حج عنه غيره. وليس كذلك الجهاد، لأن المسلمين إذا احتاجوا إلى المشركين فلهم أن يستأجروهم على القتال معهم، فإذا قاتلوا كان ذلك جهادًا للمسلمين، ولو أن عاجزًا عن الحج استأجر كافرًا ليحج عنه ما صح ذلك ولا أجرى. فإنما عد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الأركان التي لا يمكن تحصيلها إلا