قال عبد اللَّه: حضر قوم من أصحاب الحديث في مجلس أَبي عاصم الضحاك بن مخلد. فقال: أَلا تتفقهون؟ وليس فيكم فقيه، وجعل يذمهم.
فقالوا: فينا رجل. فقال: من هو؟
فقالوا الساعة يجيءُ، فلما جاءَ أَبي، قالوا: قد جاءَ، فنظر إليه فقال له: تقدم. فقال: أكره أن أَتخطى الناس.
فقال أَبو عاصم: هذا من فقهه، وسعوا له، فوسعوا فدخل، فأَجلسه بين يديه، فأَلقى عليه مسأَلة فأَجاب، فأَلقى ثانية فأَجاب، وثالثة فأَجاب، ومسائل فأَجاب. فقال أَبو عاصم: هذا من دواب البحر، ليس هذا من دواب البر، أو: من دواب البر، ليس من دواب البحر.
وقال ابن ماكولا: كان أعلم الناس بمذاهب الصحابة والتابعين.
يقول الأستاذ أبو زهرة: ومهما يكن حكم العلماء على أحمد من حيث كونه فقيهًا، فإن بين أيدينا مجموعة فقهية تنسب إليه، وروايات مختلفة ومتحدة ذات سند مرفوع تُحكى عنه، وقد تلقاها العلماء بالقبول، وإن كان بعضهم منذ القدم قد أثار حولها غبارًا، وإن لم يحجبها، ولم يطمسها، فإن العين عند الدراسة تواجهه في كشف الحقيقة من ورائه. اهـ.
قلت: وهذا كتابُنا -على ما فيه من نقص مما لم تصل إليه أيدينا أو فُقد- يحوي آلاف المسائل المروية عنه، أكثرها في الفقه.