وجدتك في يد مَنْ كان قبلي ما عرضتُ لك. لكن حاشية المعتصم وبطانته لازالوا به حتى امتحنه وحبسه حتى طال به الأذى، إلا إنه في النهاية أمر بتخليته.
وفي سنة سبع وعشرين توفي المعتصم، وبويع لابنه الواثق أبي جعفر هارون.، وقد استمر على القول بخلق القرآن، إلا أنه لم يتعرض بالأذى للإمام أحمد الذي توارى عن الناس في معظم خلافة الواثق. وقد ذُكر رجوع الواثق عن هذه المقالة في أواخر حياته، كما سيأتي تفصيله.
وفي سنة اثنتين وثلاثين مات الواثق، وبويع لأخيه المتوكل على اللَّه جعفر ابن المعتصم، واستمرت خلافته إلى سنة سبع وأربعين، حيث قتل على يد ابنه المنتصر، وفي أثناء خلافة المتوكل كانت وفاة الإمام أحمد.
[* المحنة]
لم يزل الناس على قانون السلف، وقولهم إن القرآن كلام اللَّه غير مخلوق، حتى نبغت المعتزلة فقالت بخلق القرآن، وكانت تستر ذلك، وكان القانون محفوظًا في زمن الرشيد، فلما بلغ الرشيد أن بشرًا يزعم أن القرآن مخلوق، قال: عليَّ إن أظفرني اللَّه به، لأقتلنه قتلةً ما قتلتها أحدًا قط. فكان بشر متواريًا أيام الرشيد نحوًا من عشرين سنة، حتى مات الرشيد. فلما توفي الرشيد كان الأمر كذلك في زمن الأمين، فلما ولي المأمون خالطه قوم من المعتزلة فحسنوا له القول بخلق القرآن، وكان يتردد في حمل الناس على ذلك، ويراقب بقايا الأشياخ، ثم قوي عزمه على ذلك فحمل الناس عليه، فكان من أمر المحنة ما كان حتى أراد اللَّه لها أن تنكشف على يد المتوكل.
وسيأتي بسط الكلام في المحنة في ترجمته المفصلة، وفي كتاب العقيدة.
[* مناقبه]
مناقب الإمام أحمد جمة، يضيق المقام عن ذكرها، حتى أُفردت لها المصنفات، منها ما روي في زهده وورعه، وحسن أخلاقه، وهيبته، وكرمه