قال صالح: وكان أبي قد أدمن الصوم لما قدم، وجعل لا يأكل الدسم، وكان قبل ذلك يشتري له شحم بدرهم فيأكل منه شهرا، فترك أكل الشحم، وأدام الصوم والعمل، وتوهمت أنه قد كان جعل على نفسه ذلك إن سلم. وكان قد حمل أبي إلى المتوكل سنة سبع وثلاثين ومائتين ثم مكث إلى سنة إحدى وأربعين، وكان قل يوم يمضي إلا ورسول المتوكل يأتيه، فلما كان في أول يوم من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائتين حُمَّ أبي ليلة الأربعاء فدخلت عليه يوم الأربعاء وهو محموم يتنفس نفسًا شديدًا، وكنت قد عرفت علتَه، وكنت أُمَرِّضه إذا اعتلَّ، فقلت له: يا أَبَهْ على ما أفطرتَ البارحة؟
قال: على ماءِ باقلاء، ثم أراد القيام فقال: خذ بيدي، فأخذت بيده، فلما صار إلى الخلاء ضعفت رجلاه حتى توكأَ عليَّ.
وكان يختلف إليه غيرُ متطبب، كلهم مسلمون، فوصف له متطبب -يقال له عبد الرحمن- قرعةً تُشوى ويُسقى ماءها -وهذا يوم الثلاثاء وتوفي يوم الجمعة- فقال: يا صالح.
قلت: لبيك. قال: لا تُشوى في منزلك ولا في منزل عبد اللَّه أخيك.
وصار الفتح بن سهل إلى الباب ليعوده، فحجبته، وأتى علي بن الجعد فحجبته، وكثر الناس فقلت: يا أَبَهْ، قد كثر الناس.
قال: فأي شيءٍ ترى؟ قلت: تأذن لهم فيدعون لك.
قال: أستخير اللَّه.
فجعلوا يدخلون عليه أفواجًا حتى تمتلئ الدار، فيسألونه ويدعون له، ثم