قال حنبل: لم يزل أبو عبد اللَّه أحمد بن حنبل -رضي اللَّه عنه- بعد أن أطلقه المعتصم، وانقضاء أمر المحنة، وبرأ من ضربه، يحضر الجمعة والجماعة ويفتي ويحدث أصحابه حتى مات أبو إسحاق، وولي هارون ابنه وهو الذي يدعى الواثق فأظهر ما أظهر من المحنة والميل إلى ابن أبي دؤاد وأصحابه، فلما اشتد الأمر على أهل بغداد، وأظهر القضاة المحنة، وفرق بين الأنماطي وامرأته، وبين أبي صالح وامرأته.
وكان أبو عبد اللَّه يأتي الجمعة في أيام الواثق، وكان يصلي بنا رجل من ولد عيسى بن جعفر، فقيل لأبي عبد اللَّه: إنه يقول هذا القول، فكان أبو عبد اللَّه يعيد الصلاة، ثم ولي آخر له لقب، فكان يعيد إلى أن ولي المتوكل، فرفع هذا الكلام، فكان لا يعيد بعد ذلك، فكنت ربما ذهبت معه في يوم الجمعة، أمشي وراءه، فكان يتخلل الدروب حتى لا يعرف، فيمضي، فيصلي وينصرف.
فلما أظهر الواثق هذِه المقالة، وضرب عليها وحبس جاء نفر إلى أبي عبد اللَّه من فقهاء أهل بغداد، فيهم بكر بن عبد اللَّه، وإبراهيم بن علي المطبخي، وفضل بن عاصم، وغيرهم، فأتوا أبا عبد اللَّه وسألوا أن يدخلوا عليه، فاستأذنت لهم، فأذن لهم فدخلوا عليه، فقالوا له: يا أبا عبد اللَّه إن هذا الأمر قد فشا وتفاقم، وهذا الرجل يفعل ويفعل وقد أظهر ما أظهر، ونحن نخافه على أكثر من هذا وذكروا له ابن أبي دؤاد على أن يأمر المعلمين بتعليم الصبيان في الكتاب مع القرآن كذا وكذا.
فقال لهم أبو عبد اللَّه: وماذا تريدون؟
قالوا: أتيناك نشاورك فيما نريد. قال لهم: فيما تريدون؟