فناظرهم أبو عبد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ساعة، حتى قال لهم -وأنا حاضرهم: أرأيتم إن لم يبق لكم هذا الأمر، أليس قد صرتم من ذلك إلى المكروه؟ عليكم بالنكرة بقلوبكم، ولا تخلعوا يدا من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ولا دماء المسلمين معكم، انظروا في عاقبة أمركم ولا تعجلوا، واصبروا حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر، ودار بينهم في ذلك كلام كثير لم أحفظه، واحتج عليهم أبو عبد اللَّه بهذا.
فقال له بعضهم: إنا نخاف على أولادنا إذا ظهر هذا لم يعرفوا غيره ويُمحَى الإسلام ويدرس.
فقال لهم أبو عبد اللَّه: كلا إن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ناصر دينه، وإن هذا الأمر له رب ينصره، وإن الإسلام عزيز منيع.
فخرجوا من عند أبي عبد اللَّه، ولم يجبهم إلى شيء، مما عزموا عليه أكثر من النهي عن ذلك، والاحتجاج عليهم بالسمع والطاعة، حتى يفرج اللَّه عن الأمة، فلم يقبلوا منه.
فلما خرجوا، قال لي بعضهم: امضِ معنا إلى منزل فلان، رجل سموه حتى نوعده لأمر نريده، فذكرت ذلك لأبي، فقال لي أبي: لا تذهب، واعتل عليهم، فإني لا آمن أن يغمسوك معهم، فيكون لأبي عبد اللَّه في ذلك ذكر، فاعتللت عليهم، ولم أمض معهم. فلما انصرفوا دخلت أنا وأبي على أبي عبد اللَّه، فقال أبو عبد اللَّه لأبي: يا أبا يوسف هؤلاء قوم أشرب قلوبهم ما يخرج منها فيما أحسب فنسأل اللَّه السلامة، ما لنا ولهذه الأمة، وما أحب لأحد أن يفعل هذا.
فقلت له: يا أبا عبد اللَّه، وهذا عندك صواب؟
قال: لا، هذا خلاف الآثار التي أمرنا فيها بالصبر، ثم قال أبو عبد اللَّه: