قال حنبل: قال أبو عبد اللَّه: وقال له ابن أبي دؤاد، بعد ما ضربت وأمر بتخليتي: يا أمير المؤمنين، احبسه فإنه فتنة، يا أمير المؤمنين، احبسه فإنه فتنة، يا أمير المؤمنين، إنه ضال مضل، وإن أخليته فتنت به الناس. فقال: يا إسحاق أطلقه. وقام أبو إسحاق فدخل وما عقلت إلا بالقيد وقد نزع من رجلي. وقام أبو إسحاق من مجلسه ذلك، فلم يجد بدًّا من أن يخلي عني، ولولا ذلك كان قد حبسني، وجاءوني بسويق، فقالوا لي: اشرب، فأبيت، فقلت: لا أفطر.
قال حنبل: وبلغني أن أبا عبد اللَّه قال: لي ولهم موقف بين يدي اللَّه عز وجل، فكتب بها إليه، فقال: يخلى سبيله الساعة.
قال حنبل: وأخبرني أبي: قال لي بعض من حضر يومئذ: وكان أحمد في دهره مثل صاحب بني إسرائيل في دهره، كان هؤلاء يحتجون عليه، وهؤلاء يحتجون عليه فيحتج على هؤلاء، ويحتج على هؤلاء بقلب ثابت وفهم، ليس ثَمَّ شيء ينكر. وقال لهم أبو إسحاق: ليس هذا كما وصفتم لي، وذاك من قدره عنده، وقللوه وصغروه عنده، فلما شاهده ورأى ما عنده عرف له فضله.
ولما أمر أبو إسحاق بتخلية أبا عبد اللَّه خلع عليه مبطنةً وقيمصًا وطيلسانًا وخفًّا وقلنسوة، فبينا نحن على باب أبي إسحاق في الدهليز، والناس في ذلك الوقت مجتمعين في الميدان وفي الدروب وغيرها، وأغلقت الأسواق واجتمع الناس فنحن كذلك إذ خرج أبو عبد اللَّه على دابة من دار أبي إسحاق، وقد ألبس تلك الثياب، وابن أبي دؤاد عن يمينه وإسحاق بن إبراهيم عن يساره، فلما صار في دهليز أبي إسحاق قبل أن يخرج إلى الطريق، قال لهم ابن أبي دؤاد: اكشفوا رأسه فكشفوه، وذهبوا يأخذون به ناحية الميدان