تَنْبِيهٌ: رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ نُصُوصٌ نَذْكُرُهَا. وَنَذْكُرُ مَا فَسَّرَهُ الْأَصْحَابُ بِهِ. فَنَقُولُ: رَوَى جَعْفَرٌ عَنْهُ فِي نَصْرَانِيٍّ مَاتَ وَامْرَأَتُهُ نَصْرَانِيَّةٌ، وَكَانَتْ حُبْلَى. فَأَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ، ثُمَّ وَلَدَتْ، هَلْ يَرِثُ؟ قَالَ: لَا. وَقَالَ: إنَّمَا مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَا هُوَ، وَإِنَّمَا يَرِثُ بِالْوِلَادَةِ. وَحُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ، قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: مَاتَ نَصْرَانِيٌّ، وَامْرَأَتُهُ حَامِلٌ. فَأَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ قَالَ: مَا فِي بَطْنِهَا مُسْلِمٌ. قُلْت: أَيَرِثُ أَبَاهُ إذَا كَانَ كَافِرًا وَهُوَ مُسْلِمٌ؟ قَالَ: لَا يَرِثُهُ. فَصَرَّحَ بِالْمَنْعِ مِنْ إرْثِهِ لِأَبِيهِ، مُعَلِّلًا بِأَنَّ إرْثَهُ يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ. وَإِذَا تَأَخَّرَ تَوْرِيثُهُ إلَى مَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ، فَقَدْ سَبَقَ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ زَمَنَ الْوِلَادَةِ، إمَّا بِإِسْلَامِ أُمِّهِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا، أَوْ بِمَوْتِ أَبِيهِ، عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَالْحُكْمُ بِالْإِسْلَامِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ، بِخِلَافِ التَّوْرِيثِ. وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى أَنَّ التَّوْرِيثَ يَتَأَخَّرُ عَنْ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ إذَا انْعَقَدَ سَبَبُهُ فِي حَيَاةِ الْمَوْرُوثِ وَأُصُولِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَشْهَدُ لِذَلِكَ. ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ وَقَالَ: وَأَمَّا الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ: فَاضْطَرَبُوا فِي تَخْرِيجِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلِلْقَاضِي فِي تَخْرِيجِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّ إسْلَامَهُ قَبْلَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ أَوْجَبَ مَنْعَهُ مِنْ التَّوْرِيثِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَهِيَ ظَاهِرَةُ الْفَسَادِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ تَوْرِيثِ الطِّفْلِ الْمَحْكُومِ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِ أَبِيهِ. وَنَصُّهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّوْرِيثِ. فَتَكُونُ رِوَايَةً ثَانِيَةً فِي الْمَسْأَلَةِ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute