وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ: هَلْ هُوَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ؟ فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ، قُدِّمَ عَلَى الْمُوصَى بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ وَصِيَّةٌ، فَقَدْ ازْدَحَمَتْ وَصِيَّتَانِ فِي هَذَا الْعَبْدِ. فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْوَصَايَا الْمُزْدَحِمَةَ إذَا كَانَ بَعْضُهَا عِتْقًا هَلْ تُقَدَّمُ، أَمْ يَتَحَاصَّ الْعِتْقُ وَغَيْرُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْمُحَاصَّةِ: فَهُوَ كَمَا لَوْ دَبَّرَ نِصْفَهُ وَوَصَّى بِنِصْفِهِ، وَيَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى الْمَنْصُوصِ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْفَوَائِدِ، وَقَدْ يُقَالُ: الْمُوصَى لَهُ، إنْ قِيلَ: لَا يَمْلِكُ حَتَّى يَقْبَلَ، فَقَدْ سَبَقَ زَمَنُ الْعِتْقِ زَمَنَ مِلْكِهِ فَيَنْفُذُ. وَإِنْ قِيلَ: يَمْلِكُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، فَقَدْ تَقَارَنَ زَمَنُ مِلْكِهِ وَزَمَنُ الْعِتْقِ فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْعِتْقِ. كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ مَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِبَيْعِهِ.
وَمِنْهَا: الْوَصِيَّةُ بِالْمُدَبَّرِ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا. لِأَنَّ التَّدْبِيرَ الطَّارِئَ إذَا لَمْ يُبْطِلْ الْوَصِيَّةَ عَلَى الْمَشْهُورِ فَكَيْفَ يَصِحُّ طَرَيَان الْوَصِيَّةِ عَلَى التَّدْبِيرِ وَمُزَاحَمَتُهَا لَهُ؟ وَبَنَى الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا عَلَى الْأُصُولِ السَّابِقَةِ.
وَمِنْهَا: وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ. هَلْ يَتْبَعُهَا فِي التَّدْبِيرِ أَمْ لَا؟ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا.
قَوْلُهُ (وَلَهُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ وَهِبَتُهُ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفَوَائِدِ: وَالْمَذْهَبُ، الْجَوَازُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute