فَإِنْ الْتَزَمَ فِيمَا يُفْتَى بِهِ أَوْ عَمِلَ بِهِ، أَوْ ظَنَّهُ حَقًّا، أَوْ لَمْ يَجِدْ مُفْتِيًا آخَرَ: لَزِمَ قَوْلُهُ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَاخْتَارَ الْآمِدِيُّ مَنْعَ الِانْتِقَالِ فِيمَا عَمِلَ بِهِ. وَعِنْدَ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: يَجْتَهِدُ فِي أَصَحِّ الْمَذَاهِبِ فَيَتْبَعُهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي الْأَخْذِ بِرُخَصِهِ وَعَزَائِمِهِ طَاعَةُ غَيْرِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي كُلِّ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. وَتَوَقَّفَ أَيْضًا فِي جَوَازِهِ. وَقَالَ أَيْضًا: إنْ خَالَفَهُ لِقُوَّةِ دَلِيلٍ أَوْ زِيَادَةِ عِلْمٍ أَوْ تَقْوَى: فَقَدْ أَحْسَنَ. وَلَا يُقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِ بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ أَيْضًا: بَلْ يَجِبُ فِي هَذِهِ الْحَالِ. وَأَنَّهُ نَصُّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ هُبَيْرَةَ. وَقَالَ فِي آدَابِ الْمُفْتِي: هَلْ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَتَخَيَّرَ، وَيُقَلِّدَ أَيَّ مَذْهَبٍ شَاءَ، أَمْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ مُنْتَسِبًا إلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ بَنَيْنَا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَامِّيَّ: هَلْ لَهُ مَذْهَبٌ أَمْ لَا؟ وَفِيهِ مَذْهَبَانِ.
أَحَدُهُمَا: لَا مَذْهَبَ لَهُ. فَلَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ مَنْ شَاءَ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ، سِيَّمَا إنْ قُلْنَا: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ مَذْهَبٌ. لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي انْتَسَبَ إلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ. فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمُوجَبِ اعْتِقَادِهِ. فَلَا يَسْتَفْتِي مَنْ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ انْتَسَبَ إلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ، انْبَنَى عَلَى أَنَّ الْعَامِّيَّ: هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ يَأْخُذُ بِرُخْصِهِ وَعَزَائِمِهِ؟ وَفِيهِ مَذْهَبَانِ.
أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ، كَمَا لَمْ يَلْزَمْ فِي عَصْرِ أَوَائِلِ الْأَمَةِ أَنْ يَخُصَّ الْأُمِّيُّ الْعَامِّيُّ عَالِمًا مُعَيَّنًا يُقَلِّدُهُ، سِيَّمَا إنْ قُلْنَا: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute