وَذَلِكَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي دَعْوَى الْأُبُوَّةِ، مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ شَخْصٌ أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ، وَفُلَانٌ يَسْمَعُ: فَيَسْكُتُ، فَإِنَّ السُّكُوتَ إذًا نُزِّلَ هُنَا مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ: صَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْأَبُ أَنَّ فُلَانًا ابْنُهُ، قَالَ: وَيُقَوِّي مَا ذَكَرْته: أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَكَى فِي الْمُغْنِي: إذَا سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِصَبِيٍّ " هَذَا ابْنِي " جَازَ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِذَا سَمِعَ الصَّبِيَّ يَقُولُ " هَذَا أَبِي " وَالرَّجُلُ يَسْمَعُهُ، فَسَكَتَ: جَازَ أَنْ يَشْهَدَ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْأَبِ إقْرَارٌ، وَالْإِقْرَارُ يُثْبِتُ النَّسَبَ فَجَازَتْ الشَّهَادَةُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَإِنَّمَا أُقِيمَ السُّكُوتُ مَقَامَ النُّطْقِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى الِانْتِسَابِ الْفَاسِدِ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ سَائِرِ الدَّعَاوَى؛ وَلِأَنَّ النَّسَبَ يَغْلِبُ فِيهِ الْإِثْبَاتُ، إلَّا أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ فِي النِّكَاحِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَشْهَدَ بِهِ مَعَ السُّكُوتِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ نَقَلَ فِي الْمُغْنِي الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ الِاحْتِمَالَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا، قَالَ: وَفِي الْجُمْلَةِ: خُرُوجُ الْخِلَافِ فِيهِ فِيمَا إذَا ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهُ ابْنُ آخَرَ بِحُضُورِ الْآخَرِ، فَيَسْكُتُ: ظَاهِرٌ، وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا: الْخِلَافُ فِيهَا بَعِيدٌ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَإِذَا رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إنْسَانٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مِنْ النَّقْضِ وَالْبِنَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَنَحْوِهَا: جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لَهُ) ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute