للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْخَمْسِمِائَةِ حُكْمًا بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِبَعْضِ الْجُمْلَةِ حُكْمٌ بِالْجُمْلَةِ، فَإِذَا كَانَ لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمَ بِأَلْفٍ يَكُونُ قَدْ حَكَمَ بِمَا لَمْ يُوَلَّ فِيهِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وُلِّيَ الْحُكْمَ بِأَلْفٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ حَكَمَ بِمَا وُلِّيَ فِيهِ، هَذَا مَعْنَى مَا رَأَيْته مِنْ كَلَامِهِ، قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ ذَكَرُوا الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا عَلَّلُوهُ بِأَنَّ الشَّاهِدَ لَمْ يَشْهَدْ كَمَا سَمِعَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى الشَّاهِدِ، لَا لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: لَا يَسْلَمُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ: أَنَّ الْحُكْمَ بِالْبَعْضِ الْمَشْهُودِ بِهِ يَكُونُ حُكْمًا بِالْجُمْلَةِ، بَلْ إنَّمَا يَكُونُ حُكْمًا بِمَا ادَّعَى بِهِ وَشَهِدَ بِهِ، وَقَدْ يُقَالُ الَّذِينَ عَلَّلُوا الْمَنْعَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تُؤَدَّ كَمَا سُمِعْت: كَلَامُهُمْ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مُطْلَقًا، وَأَمَّا مَنْ قَيَّدَ الْمَنْعَ بِمَا إذَا كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا: يَكُونُ تَوْجِيهُهُ مَا ذُكِرَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ هَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْنَعُوا إلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ، لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْبَعْضِ مِنْ الْجُمْلَةِ حُكْمٌ بِكُلِّهَا.

وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي أَوَائِلِ الْكُرَّاسِ الرَّابِعِ فِيمَا إذَا كَانَتْ وِلَايَةُ الْقَاضِي خَاصَّةً وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى صِحَّتِهَا فِي قَدْرٍ مِنْ الْمَالِ، فَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ فِي رَجُلٍ أُشْهِدَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَكَانَ الْحَاكِمُ لَا يَحْكُمُ إلَّا فِي مِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ فَقَالَ: لَا تَشْهَدْ إلَّا بِمَا أُشْهِدْت عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ أُشْهِدَ عَلَى أَلْفٍ، وَلَا يُحْكَمُ فِي الْبِلَادِ إلَّا عَلَى مِائَةٍ لَا يَشْهَدْ إلَّا بِأَلْفٍ، فَقَدْ نَصَّ عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ فِي قَدْرٍ مِنْ الْمَالِ، وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرْنَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>