للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معجزات كثيرة على يديه، لا مناص من قبولها ولا مجال لردها، لأنها نقلت إلينا بالأسانيد الصحيحة المتواترة التي ترتقي بالفكر والعقل إلى درجة القطع واليقين.

فمن ذلك حديث نبع الماء من بين أصابعه الشريفة، أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، ومسلم في كتاب الفضائل، ومالك في الموطأ في كتاب الطهارة. وغيرهم من أئمة الحديث بطرق مختلفة كثيرة، حتى نقل الزرقاني عن القرطبي قوله: «إن نبع الماء من بين أصابعه صلّى الله عليه وسلم تكرر في عدة مواطن في مشاهد عظيمة، وورد من طرق كثيرة يفيد مجموعها العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي» «٢٥» .

ومن ذلك حديث انشقاق القمر على عهده صلّى الله عليه وسلم حينما سأله المشركون ذلك، فقد أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، وأخرجه مسلم في كتاب صفة القيامة، وأخرجه غيرهما من عامة علماء الحديث. وقال ابن كثير: «وقد وردت بذلك الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة..» . وهذا أمر متفق عليه بين العلماء: أنه وقع في زمان النّبي صلّى الله عليه وسلم، وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات «٢٦» .

ومن ذلك حديث الإسراء والمعراج الذي نسوق هذا البحث بمناسبته، وهو حديث متفق عليه لا تنكر قطعية ثبوته. وهو بإجماع جماهير المسلمين من أبرز معجزاته.

ومن العجيب أن هؤلاء الذين لا يفتأون يروجون صفة العبقرية، والعبقرية وحدها للرسول صلّى الله عليه وسلم ويبعدون اسم المعجزات والخوارق عن حياته يتجاهلون هذه الأحاديث المتواترة التي بلغت من الصحة درجة القطع، فلا يتحدثون عنها سلبا ولا إيجابا كأن كتب الحديث غير ممتلئة بها، يعدّ لكل منها ما قد يزيد على عشرة طرق.

ومن الواضح أن سبب هذا التجاهل هو التهرب من الإشكال العويص الذي سيواجهونه لدى النظر في هذه الأحاديث: إذ هي تناقض في خط صريح واضح النظرية التي تطوف برؤوسهم «٢٧» .

ثالثا: المعجزة؛ كلمة لا يوجد لها معنى ذاتي عند التأمل والتدبّر، وما يراد بها إنما هو معنى نسبي مجرد. فالمعجزة فيما تواضع عليه اصطلاح الناس كل أمر خارج على المألوف والعادة. وكل من المألوف يتطور بتطور الأزمنة والعصور، ويختلف باختلاف الثقافات والمدارك والعلوم. فربّ


(٢٥) راجع الزرقاني على الموطأ: ١/ ٦٥
(٢٦) راجع تفسير ابن كثير: ٤/ ٢٦١
(٢٧) من هؤلاء صاحب (حياة محمد) فقد ترنح ترنحا غريبا، وهو يحاول أن يفر من إلزامات هذه الأحاديث وأمثالها. كي لا يعكر على نفسه صفو نظريته الخيالية عن محمد.

<<  <   >  >>