للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دعوى أنه نبي «٢٥» . هذا إلى أن سلطان السحر محدود، فهو وإن كان له حقيقة كما قلنا، غير أن حقيقته لا تتجاوز حدودا معينة، ولا يمكن أن يتوصل به إلى قلب الحقائق وتبديل جواهر الأشياء، ولذلك عبر الله سبحانه وتعالى عن السحر الذي صنعه سحرة فرعون بقوله: قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى [طه ٢٠/ ٦٦] ، فعبر عما رآه موسى، من صنيعهم بالخيال، أي فالحبال لم تنقلب في الحقيقة إلى ثعابين بسحرهم الذي فعلوه، وإنما الذي اتجه إليه سحرهم هو أبصار المشاهدين فقط فهي التي سحرت لا الحبال والعصيّ. وهذا ما أوضحته الآية الأخرى وهي قوله تعالى: سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ [الأعراف ٧/ ٦٦] . وإذا تأملت في هذا الذي نقول، علمت أنه لا تنافي بين ما ذكرناه من أن السحر حقيقة ثابتة، وقوله تعالى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى [طه ٢٠/ ٦٦] ، إذ إن انقلاب ٨ الحبال ثعابين تسعى، خيال. أما تأثّر العين بهذا الخيال وضعفها عن رؤية الحقيقة فذلك هو مفعول السحر وحقيقته لما أصاب العين هذا الذي أصابها، وهذا التحقيق يؤكد لك أيضا أن مناط السحر دائما هو جسم الإنسان أو حواسه وجوارحه، تظهر بسببه بعض المرئيات أو المحسوسات على غير حقيقتها.

ثالثا- مظاهر من فضل أبي بكر رضي الله عنه:

وفيما أسلفنا من قصة مرضه صلّى الله عليه وسلم أربع دلائل على ما لأبي بكر رضي الله عنه من المزية والفضل عند رسول الله.

الأولى: حينما بدأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم خطابه بقوله: «عبد خيّره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده» . فقد أدرك أبو بكر ما يعنيه عليه الصلاة والسلام ولذلك أخذه البكاء وصرخ قائلا: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، ولم ينتبه أحد غيره إلى هذا الذي استشعره رضي الله عنه من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام. فقد جاء في بعض طرق هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري أنه لما بكى أبو بكر لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قلت في نفسي: «ما يبكي هذا الشيخ أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخبرنا عن عبد خيّر فاختار؟ قال: فكان رسول الله هو المخيّر، وكان أبو بكر أعلمنا به» .

الثانية: قوله عليه الصلاة والسلام: إن أمن الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر.. الحديث، وإنها لكلمات خوالد ما سجّل مثلها لغير أبي بكر رضي الله عنه.

الثالثة: ما ذكرناه من رواية مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنه صلّى الله عليه وسلم قال لها: «ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمنّ ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر» . وإن هذا الحديث ليعدّ بمثابة النص على استخلاف رسول الله صلّى الله عليه وسلم له من


(٢٥) راجع النووي على صحيح مسلم: ١٤/ ١٧٥

<<  <   >  >>